مزجَ الكاتبُ الرائع عصام الزيات بعضَ متناقضات الحياة وكوارث الصدف في روايته الأحدث (الاختباء في عجلة هامستر) ليستكشف كلُّ قارئٍ حدودَ وأبعادَ عجلته التي يدور فيها بلا وعي، مُسيَّرًا بمجموعةٍ من المعطيات، ومجموعةٍ من الصدف أيضًا، ربما لم ينتبه لقدر تأثيرها المُفزع على حياته!
فليس كلُّ ما بلغناه من قدرٍ كان بفضل جهودنا وعلمنا، بل بفضل الستر أيضًا، وبفضل عدم الوقوع في مسارات تلك الابتلاءات التي مرّت حتى احتكّت بأكتافنا، ثم تجاوزتنا لتصيب آخرين، لقد جسّد الكاتبُ قدرةَ الواقعِ الغاشم على تحطيم الأحلام والطموحات النقية، والعبثِ المُهيمن القادر على قلب الأمور، والخرافةِ التي فرضت نفسها لتكون مدخلًا للعلم والمعرفة.
فبين هذه المفارقات؛ قامت حياة أبطال الرواية… حياةٌ لا يستطيع عاقلٌ التنبؤ بتداعياتها، فيستسلم لها، ويجري مدفوعًا بقبضتها المُحكمة المُسيطرة، لتقوده إلى نهاياتٍ مأساويةٍ لا توافق مقدماتها.

يلجأ الإنسان مضطرًا إلى الغربة المرّة، أو يُساق إليها، لكن الأمرّ من ذلك وأدهى هو غربة النفس… غربة المفاهيم التي لا يدركها المحيطون… غربة الروح المُتعطشة، والمشاعر المكبوتة التي لا يعيرها الآخرون اهتمامًا… غربة الصبّار الذي لا يعرف لماذا أزهرت كلُّ تلك النباتات المحيطة به دونه!
حقيقةً أبرزها الكاتب، وهي أن القدرة على ارتكاب الأخطاء لا يتقنها إلا الفاسدون؛ فالفسادُ حكرٌ لأصحابه، يعبرون به كلَّ السدود بأمان، لكن الزلّة الواحدة للصالح – مهما بلغت ضآلتها – لا تُغتفر، لذلك؛ فعليك إن كنتَ صالحًا ألّا تُخطئ. هذا قدرك… الكذبة البيضاء ستكسر عنقك… الصديق الأقرب قد يكون أيضًا النصل الأقرب لينغرس في قلبك!… ستدفع ثمن غرامك الوهميّ الذي لجأ إليه عقلك لترطيب جفاف علاقة زوجية خالية من الروح… فلا تُحاول أن تفعل.
رحلةٌ طويلةٌ تدور أحداثها بين طنطا والقاهرة والأقصر، وإحدى الدول الخليجية. ستركب أثناءها العبّارة والقطار والميكروباص بكل تفاصيل تلك الوسائل وروائحها المميّزة، وستقابل مرتاديها بمختلف ثقافاتهم… لكنك ستعود في نهاية الرحلة مُجهدًا كمن قطع كل تلك المسافات سيرًا على قدميه، مُحمّلًا بهموم كل أبطالها، حائرًا عاجزًا عن معرفة الجاني من المجني عليه.