إسراء إبراهيم
تعد الكاتبة الكبيرة سلوى بكر، واحدة من أبرز الأصوات الأدبية التي تنحاز للمرأة وهمومها والتحديات التي تواجهها في عالمنا العربي، وتحديدا المهمشات في المجتمع المصري ومن يتعرضن للقمع باسم الدين أو السلطة الأبوية أو السياسية.
المرأة في روايات سلوى بكر تبتعد عن الصورة التقليدية للنساء، فهي مرأة خارج دائرة الضوء، فهي تحكي عن المنبوذات والأرامل والوحيدات، في مزج بديع بين التاريخ والخيال، لتكشف لنا عن سؤال ملح وضروري: كيف وصلنا إلى ما نحن عليه الآن؟
ولدت الأديبة سلوى بكر بالقاهرة عام 1949، وتحديدا في حي المطرية لأسرة بسيطة، وتوفي والدها في سن مبكر من طفولتها، فاتجهت والدتها لرعاية الأسرة. وفي أسرة والدتها بدأ شغفها بالقراءة، إذ كان منزلهم يحتوي على مكتبة كبيرة، بجانب المدرسة التي كانت تدرس بها، والتي كانت تخصص حصة للقراءة الحرة.
حصلت على بكالوريوس إدارة الأعمال من كلية التجارة بجامعة عين شمس سنة 1972، وخلال الدراسة عملت في الحركة الطلابية، وحصلت سنة 1976 على درجة الليسانس في النقد المسرحي.
عاشت سلوى بكر مع زوجها في قبرص، حيث عملت لعدة سنوات ناقدة سينمائية في عدد من المجلات الصادرة بالعربية، قبل أن تعود إلى مصر سنة 1986.
شغلت منصب رئيس تحرير سلسلة التراث الحضاري بهيئة العامة للكتاب، كذلك حصلت على عضوية اتحاد الكتاب، وعضوة بنقابة التجاريين، واُنتخبت نائبًا لرئيس مجلس إدارة اتحاد كتاب مصر، بالإضافة إلى عملت أستاذا زائرا بالجامعة الأمريكية في القاهرة، وعضو لجنة تحكيم مهرجان السينما العربية.
موقف غريب دفعها نحو الكتابة
بدأت سلوى بكر الكتابة مصادفة، فبدأت أولى قصصها من شارع بمنطقة الزينون عندما رأت رجلا عاريا يحاول إصلاح إحدى فتحات المجاري، ولم يكن يتوقع خيالها هذا المشهد، ما دفعها لتكتب مجموعتها القصصية الأولى في عمر 22 عاما.
اتجهت “بكر” لكتابة القصة القصيرة دون الاهتمام بنشر ما تكتبه، إلى أن أسس كل من الكاتب شعبان يوسف والشاعر رفعت سلام مجلة كتابات جديدة، وطلب منها “يوسف” ترشيح أحد الشباب للمجلة ممن يكتبون القصة، فعرضت عليه كراسة كتبت بها مجموعة من القصص القصيرة، وقرأها الكاتب يحيى الطاهر عبد الله، ومن هنا بدأت رحلتها في عالم الأدب.
كيف أثر عملها كمفتش صحة على عوالمها الأدبية؟
عملت مفتشًا في مصلحة التموين من عام 1974 حتى سنة 1980، وذكرت عن تأثير تلك المهنة على شخصيتها، أن الوظيفة سمحت لها بالتعرف على كم هائل من الخبرات الحياتية، والعلاقة مع القاع الاجتماعي، وآليات المواجهة للبسطاء مع التموين بوصفه وقتها سلطة هامة للناس.
كما تعتبر نفسها مدينة لتلك الفترة لتعرفها على نماذج إنسانية مصرية صميمة، بالإضافة إلى تعرفها على اللغة المنطوقة على ألسنة الناس التي دعمت ما كتبته، وانتهت تلك المرحلة باستقالتها.
تجربة السجن
اعتُقلت سلوى بكر أثناء إضراب عمال الحديد والصلب سنة 1989، وقضت 15 يوما فيي سجن القناطر، وكانت في تلك الفترة حامل، وطلبت من الضابط الذي ألقى القبض عليها ألا تجلس في سيارة الترحيلات خوفا من فقدان الطفل، ما جعله يتعاطف معها ويجلسها في “كابينة” السيارة.
منحتها تجربة السجن فرصة الاختلاط بالسجينات الجنائيات في سجن القناطر عن قرب، وكانت هي السجينة السياسية الوحيدة بينهن، وأتاحت لها تجرية الاعتقال فرصة الاختلاط بالسجينات الجنائيات في سجن القناطر، وكانت هي السجينة السياسية الوحيدة بينهن، ونتيجة تلك الفترة كتبت روايتها الأولى “العربة الذهبية لا تصعد إلى السماء”، والتي تدور أحداثها في عالم السجن النسائي، وعلاقته بوضع المرأة في المجتمع.
رواياتها مع دوّن
حاولت دار دوِّن للنشر والتوزيع أن تكون جسرا ينقل إبداعات وأفكار سلوى بكر إلى الأجيال الجديدة، وذلك ليقينها بالدور الذي تلعبه “بكر” في إعادة قراءة وتحليل المجتمع المصري وتحليل التغيرات التي لحقت به، فأصدرت للكاتبة 3 من أهم أعمالها وهي “البشموري” و”شوق المستهام” و”فيلة سوداء بأحذية بيضاء”.
صُنفت روايتها “البشموري” ضمن أفضل 100 رواية عربية، التي صدرت عن اتحاد الكتاب والأدباء العرب عام 2001. الرواية صدرت أول طبعة منها عام 1998، وتدور أحداثها في عهد الخليفة المأمون، الذي قضى على ثورة البشامرة، ثم استخدم الخليفة المعتصم الأسرى الأقباط الذين جُلِبوا إلى بغداد، مركز الخلافة، للقضاء على “ثورة الزلط” في جنوب بغداد، والرواية تتحدّث في البدء عن ثورة البشموري ضد الظلم.
الجوائز
حصلت الكاتبة والأدبية الكبيرة سلوى بكر على جائزة الدولة التقديرية في فرع الأداب لعام 2021، والتي تعتبر جائزة الدولة ذات قيمة خاصة وتقدير خاص، فحصول الأديب على جائزة وطنه، أمر مختلف تمامًا، ولا يمكن مقارنته بحصوله على أي جائزة أخرى.
كما حصلت على جائزة دويتشه فيله للآداب عن قصصها القصيرة من ألمانيا عام 1993. وتقول عن ذلك: ” قلما أتقدم لأي جائزة، فعندما حصلت على جائزة الإذاعة الألمانية قابلني قبلها الراحل (فوزي سليمان) الذي كان يعمل وقتها في معهد جوته، وكنت لا أعرف أن هناك جائزة من الأساس، وقال لي: لماذا لا تتقدمي للجائزة هناك عدد كبير من الكتاب مثل (جمال الغيطاني وإبراهيم أصلان) وغيرهما تقدموا للجائزة الألمانية، وطلب مني قصة حتى يقدمها نيابة عني وقد كان، وذلك في عام 1992م”.
تتابع متحدثة عن الجوائز: “أيضًا جائزة محمود درويش كنت مرشحة مع الكاتب الكبير محمد المخزنجي، وحصلت عليها أنا وسيدة من الهند، وعندما أصدرت رواية (كوكو سودان كباشي) رشحت مع محمد المنسي قنديل في جائزة ساويرس، ومن قدم العمل لي وقتها دار النشر ميريت التي أصدرت الطبعة الأولى منها، ولكنها ذهبت للكاتب الكبير محمد المنسي قنديل، وكانت لجنة التحكيم وقتها مكونة من المفكر جلال أمين وفاروق عبد القادر، والناقد حسين حمودة، وجاءني بعدها جلال أمين وقال لي (ليه فاروق عبد القادر يكرهك أوى كده أنا مستغرب)”.
تضيف: “جيل الستينيات لم يغفروا لي حصولي على جائزة الإذاعة الألمانية التي تقدم لها كل جيل الستينيات ولم يحصلوا عليها، ومارسوا ضدي أشكال من العنف داخل الحياة الثقافية تتعلق بي شخصيًا وبكتاباتي”.