فداء الرسول
تأخذ الحياة دورتها ومجراها، وبعدها تتلاشى الأجساد وترتفع الأرواح ذاهبةً إلى عالمٍ أرحب وفضاءٍ أوسع. حينها لا يبقى من أثر الإنسان إلا حكايتهُ وأثرهُ الذي سيشهد لهُ أو عليه. لذا مهما تفاوتت حيواتُنا أو اختلفت، فإن الأكيد أننا سنُطلب جميعاً للشهادة. حتى حكايات موتنا وأحداثها، إن لم ترويها أرواحُنا، سيحكيها عنّا آخرون رأوا أو شاهدوا أو سمعوا.
من أمتع العلوم وأكثرها غموضاً هو علم الطب الشرعي. وإن كانت حكايات البشر وأحداثها يُمكن تخمين أفعالها أو ضبطها غيابياً حسب النسق العام لحياة كل فرد وطبيعته، فإن الأصعب والأمرّ هو فك ألغاز الموت المجهولة التي ذهب أصحابها قبل أن يُبيحوا بأحداثها وتفاصيلها. وسنجد تلك المتعة في كتاب “ميت مطلوب للشهادة” للكاتبة سمر عبد العظيم، والصادر عن دار دون للنشر والتوزيع.
للقراءة| 23 تصريحا لـ أحمد المرسي.. أبزرها عن المرأة والكتابة والسينما
في البحث وراء الغموض دائماً إثارة مُغلفة باستنتاج مبني على دليل واقعي يزيد من احتمالية حدوث الواقعة أو نفيها، كأنك ترسم صوراً مُتقطعة على بازل مهمّش، وتظل تعبث بكل هذا في خيالاتك المفتوحة حتى يترتب المشهد كاملاً بأقرب وصف مطابق للدليل.
للحكايات شجون، فالقصة في حد ذاتها تأخذ السامع بمجرد روايتها، فما بالك بحكايات الموت المؤسفة والمثيرة التي يعشقها كثيرون ويسعون وراءها!
تبدأ القصة بموقف، ثم تجلب الكاتبة حكاية صاحبها على لسانه وهو يحكي عن حياته، كيف كانت وإلى أين آلت. ثم نُوضع بعدها في حيّز الواقعة، الجريمة التي أصبحت بين يدينا لغزاً يصعب استكشافه ما لم تشارك الروح الميتة في فك طلاسمه.
تنساب خيوط الواقعة رويداً، وتُفَك عُقدها بإتقان شامل من الناحية الجنائية والنفسية والاجتماعية، فتظهر لنا القصة كاملة من بدايتها إلى نهايتها التي مهما كانت مُلغزة، فإن رؤاها وضحت في النهاية.
المميز في كتاب “ميت مطلوب للشهادة”، بخلاف قصصه وطريقة ترتيبه في الحكي والسرد، هو دمج المعلومة في سياق القصة. وبغض النظر عن إشكالية التصنيف المحيرة، فإن المزيج الحكائي والمعلوماتي للكتاب زاد من أجواء الغموض والمتعة التي تكتنفها القصص وأضاف رونقاً خاصاً للحكايات.