كتبه: يوسف الشريف
“كأننا لا نعمل ولا نصادق ولا نحب ولا نلهو إلا فرارًا من الزمن”
تلك الكلمات التي قالها نجيب محفوظ في روايته “الحرافيش” ووضعها محمود عبد الشكور، في مدخل روايته الأحدث “ألوان أغسطس” الصادرة عن دار دوِّن للنشر والتوزيع، قد تكون خير كلمات يمكن أن تعبر عن تلك الحالة شديدة الإنسانية التي تعيد تعريف الكثير من المفاهيم على رأس تلك المفاهيم.. مفهوم الفن والصداقة داخل سردية محمود عبد الشكور التي هي من منظور آخر آخر سردية بطله أو شخصيات عالمه.
رجائي وفريد، محض أشخص “كانا يقاومان العدم والهزيمة ويعانيان من إرهاق المشي والحر والفراغ والزهق، والضجيج والعبث والعوادم والفول والطعمية والمسقعة والرغبة المكبوتة”.
هذا تجذير للعلاقة الإنسانية التي تنشأ بين اثنان يحاول كل منهما اللحاق بأحلامه وسط مدينة وواقع يغتال كل الأحلام. الفقر والإرهاق والتشتت والطموحات المهزومة والنكبات المتعددة لم تمنعهم من السعادة، من التمتع بالأشياء الصغيرة الممتعة في الحياة، لم يتخلوا عن أحلامهم الصغيرة قبل الكبيرة.
الفن في رواية عبد الشكور موضوع لمساءلة الفن، لمساءلة الواقع والمفاهيم أيضًا، كل ذلك من خلال تحليل وتفسير والتمسك بالتفاصيل الدقيقة والصغيرة، من النظر إلى آثار من يمرون من الشوارع وعلى الحياة بلا ضجيج ويحاولون كتم صرخاتهم بداخلهم.
“وعايز تبقى روائي.. ومش عارف إيه معنى الإلهام؟!!.. الجسد ملهم.. مش لحم ودم وعروق.. ده حياة عايزاك ترسمها.. غريزة وأصوات ما حدش سامعها.. ده الموضوع يا جاهل اللي بيدوّر على شكلْ.. وأنا بقى عندي الشكلْ”.
هذا المقطع من الرواية هو في جوهره سؤال يشغل عقل كل روائي، أو فنان بشكل عام وهو رؤية وملاحظة ما لا يلاحظه الآخرون. “أحس رجائي لحظتها أنه يقترب من معجزة، هذه مادة وحكاية ملهمة، يمكن أن تصنع رواية مفتوحة الآفاق، واقعًا موازيًا من واقع ضبابي” هذه بالضبط سردية عبد الشكور رواية مفتوحة الآفاق يمكن أن يكون لها أكثر من تأويل، تفجرت من موقف شديد العادية من الممكن ألا ينتبه إليه أحد.
أبعاد وأسئلة أخرى أكثر عمقًا تتفجر من أشياء قد تبدو سطحية، يشعر الروائي إنه بطل في رواية ويشعر كذلك عبد الشكور أنه بطل في رواية يكتبها غيره “علّمت الحياة فريد أن المصادفات ليست أمورًا عشوائية، نرى نحن النتائج فقط، ولكنّ هناك أيادي غامضة تُدير وتُخطِّط، نرى العرائس، ونشاهد الخيوط، ونعرف أن هناك من يحركها، ولكننا لا نراه، هناك من يحرك الجميع، ليلى والصبي والصديقان أيضًا، هناك كاتب شبح دائما”.
في الأخير يمكن اعتبار الرواية مجرد” قصة للهروب من فضلات المدينة، محاولة مجانية لتعويض الفشل واليأس، القلق من الغد، الضياع واللا جدوى، محاولة لكي نخلق ونحدد أقدار الآخرين، لا أن نخضع لأقدارنا، نؤلف ونحرك ونضيف ونحذف ونميت وننهي، الفعل الخالص ولو على الورق، إعطاء معنى لأشياء لا معنى لها”