الأربعاء, أبريل 16, 2025
Dawen APP
الرئيسيةمقالاتالجري وراء عجلة عصام الزيات

الجري وراء عجلة عصام الزيات

 فداء الرسول

في العام الماضي حظيتُ بشرف التعرُّف على قلم عصام الزيات. لم أقرأ للرجل من قبل، ولا تربطني به أي معرفة، حتى ولو سطحية، ولكن ما أغراني آنذاك لقراءة ما كتب هو عنوانه المُثير الذي ظهر على غلاف جذاب جداً، كُتب عليه: “الكلب الذي رأى قوس قزح”.

لم يُخيّب الزيات توقعاتي التي بُنيت على رياح الإثارة التي جلبها العنوان والغلاف، وكانت الرواية من أفضل قراءاتي للعام الماضي، وأصبح قلمه من أهم اكتشافاتي آنذاك. لذا، من غير المُمكن بالنسبة لي أن تصدر دار “دوِّن” عملاً جديداً لعصام الزيات دون أن أكون من أوائل المقبلين على اقتنائه وقراءته… فيا تُرى، كيف يمكن “الاختباء في عجلة هامستر“؟!

الاختباء في عجلة هامستر

تُقاس جودة الأعمال دائماً من بداياتها؛ فهي إمّا جذابة شيّقة تجعل القارئ مأخوذاً بسياقاتها، حريصاً على استكمالها، أو أنها مُكررة وعاديّة، فلا يفوتنا شيء إن تركنا قراءتها.

يهوى عصام الزيات اللعب على أوتار تفاصيل الكتابة؛ يعرف كيف ينفذ إلى القارئ، وكيف يُجبره على الانسجام في القراءة بشغفٍ لا ينقطع، وبفضولٍ كبير لمعرفة الحكاية كاملة.

تبدأ القصة من نهايتها في رواية الزيات؛ تتوقف عجلة الهامستر عند الحدث الرئيسي الذي أصاب الجميع بالذهول والشلل. هناك جريمة قـ تـ ل مشوَّشة لا تُعرف أبعادها ولا سياقات وقوعها. وإن لم يكن من المقبول أبداً إيجاد مُسوّغ لارتكاب الجريمة – أي جريمة – لكن دائماً هناك دوافع خلف الكواليس. والكاتب البارع هو من يحكي حكايته من كل الجوانب، ليضع القارئ في النهاية أمام نفسه وأمام كل الشخصيات ودوافعها، لا للانحياز، بل للفهم.

في قرية نائية من إحدى محافظات الأقصر، ستدور عجلة الهامستر بين عجايبي وعُمران وما فعله بهما الزمان، حيث يُساق أحدهما لتمثيل الواقعة التي ارتكبها، بينما يقف الآخر مُتفرجاً عليه وسط جموع لا تعرف بعد ماذا حدث.

“الكذب حين يخرج من طبيب يبدو أفضل من الصدق”

أحياناً يختار الإنسان قدره، يُحدد بوصلته، وأحياناً أخرى ينحرف به القدر عن المسار الذي رسمه لنفسه. ربما هذه أول مفارقة دونتها في المقارنة بين شخصيتي عُمران وعجايبي؛ فقد وصل عمران إلى الحُلم الذي أراده أهل عجايبي له. رأوه طبيباً مرموقاً، لكنه رأى نفسه مأخوذاً بالهندسة، فقرر أن يسير وفق ما أراد.

منذ بداية القصة، وفي تقاطعات الصوت الروائي بين حكاية عجايبي وعمران، تشعر أن الرجلين يربطهما قدر واحد، أو يتلاقيان في نقطة ما يمكن أن تبدأ منها حكايتهما معاً، لتنفصل عن كل تلك المقاربات التي تُلامس شخصيتهما في السابق.

عانى الاثنان من الحُلم، من الظُلم، من تقلبات الدهر ومُرّ الأيام. كان لكل واحدٍ منهما فلسفته، وانعكس ذلك في الصوت الروائي الذي يروي القصة، رغم افتراض كونه صوتاً واحداً. لكنّ الكاتب – وهو طبيب – وإن كان من الطبيعي أن يتقمص شخصية الطبيب ويبرع في توصيفها وسرد محسوسات وعقلية عُمران رغم تعقيدها، فإنه مارَسَ بنفس المرونة والإجادة شخصية المريض المُنهزم الذي يبحث عن دوائه من داء الأيام وما فعلته به.

“وقوع الجريمة يختلف عن تمثيلها
في الحادث الأصلي، يكون وعيك متوارياً خلف شعورك بالغضب ورغبتك في الانتقام.
يكون الحادث وليد لحظة غضب واحدة، لحظة انفجر فيها بركان التراكمات في وجه شخص سيّئ الحظ، تصادف وجوده في الوقت الخطأ، ليدفع روحه ثمناً لأخطاء الكون، دون النظر: هل ارتكب هو خطأً من الأصل؟ أو هل كان خطؤه يستحق القتل؟”

ستتكشّف أحداث الواقعة ببُطء وهدوء أحسد عصام عليه، في تمسّكه بخيوط الأحداث دون تسريع أو تقطير أو إفراط. وسيظهر البطل الأول في هذا العمل متجلياً رغم تتابع الفصول، وهو الحكاية… الحكاية التي مثّلها الكاتب بصفته طبيباً، وتداخلت تقاطعاتها مع حياة القارئ، سواء أكان شاباً، أو مريضاً، أو متزوجاً يُعاني من مدارات الروتين وبُطء الحياة وجريان الوقت.

تعاطفتُ مع عجايبي، لكنّ فلسفة عمران أجبرتني على التركيز معه أكثر. لم أغرق في سياقات الواقعة ومتتالياتها بقدر ما أغواني السرد في التأمل في حياة عمران وتتابع قصته، حيث كانت حياته عبارة عن لهاثٍ متواصل لا ينقطع.
وحيث إن العنوان يُثير حفيظة أي قارئ لتتبع المغزى والوصول إلى المُراد، فإن عصام الزيات – وللمرة الثانية – يخطفني كقارئ، ويضعني أمام الموقف البارز، فأترك الرواية جانباً وأتأمل في فلسفته ككاتب، قبل أن أعود لأعيش مع رؤى شخصياته، وفلسفة أفعالهم المملوءة بالكثير من الواقع والحياة… حتى وإن قال إنها بالأصل غير حقيقية.

مقالات ذات صلة
- Advertisment -

الأكثر شهرة

احدث التعليقات