إسراء إبراهيم
الكتابة عبارة عن لُعبة يٌجيدها الروائي، ويصنع منها عالمه الخاص ليتداخل معه القارئ وينسى عوالمه أو يلمسها حية متجسدة في كلمات على ورق، وقد تمكن الكاتب محمود عبد الشكور، في روايته “ألوان أغسطس” من خلق لعبة مُسلية للقارئ وللكاتب نفسه، تجربة مثيرة أن تكتب رواية يكتبها روائي آخر من أبطال الحكاية، واختار الكاتب عام 2009 قبل اندلاع ثورة يناير بعامين لتكون نقطة انطلاق للأحداث، التي يرصد فيها الحياة الاجتماعية في مصر.
يستعين “عبد الشكور” في مقدمة روايته باقتباس “كأننا لا نعمل ولا نصادق ولا نحب ولا نلهو إلا فرارا من الزمن”، لأديب نوبل نجيب محفوظ من رائعته “الحرافيش”، ليصنع بها رواية بطلها اخترع قصتها للهرب من الزمن وتأثيره عليه.
رجائي وفريد بطلا الرواية متناقضان ظاهريا، لكن تجمعهما نفس الظروف والبيئة المحيطة والأحلام التي قد يجتمعان لتحقيقها بطبيعة عمل كل منهما، جمعهما كاتب الرواية الذي حاول خلق شخوص متباينة ليملأ بحياتهما فراغ روحه ووقته، وملء تلك الشخصيات بقصص من هنا وهناك هي في الأصل ذات صلة بحياته في عقله الباطن.
على مدار يوم كامل -وهي الفترة الزمنية التي تدور بها أحداث الرواية- نرى الحياة الاجتماعية في مصر قبل الثورة، وضغوط الحياة على الطبقة البسيطة والمتوسطة، وكيف تأثر الشباب بظروفه المحيطة. ويأخذنا “عبد الشكور” في رحلة مع أماكن وشوارع منطقة وسط البلد، ويذكرنا بالحديث عن الطعام والمطاعم الشهيرة بفيلم “خرج ولم يعد” للمخرج الكبير الراحل محمد خان.
يبحث رجائي وفريد عن هويتهما من خلال سطور الرواية وقص معاناة كل منهما، فعلى عتبة الواقع تحطمت أحلام الثنائي لرسم مستقبلهما، فلجأ لخلق عوالمهما الخاصة، وترى من خلال رحلة رجائي وفريد على مدار يوم كامل كيف ستتحكم فيهم الأقدار مع قصة الفتاة عطيات التي التقيا بها في الممقهى في صباح يومهما الممتد.
❞يؤمن الآن أن من يكتب لا يكتب إلا عن نفسه، حتى لو كتب عن الآخرين❝.. تلك الجملة منحتنا نهاية غير متوقعة ولم تكن تقليدية، اختتم بها “عبد الشكور” روايته على لسان الكاتب “عادل” الذي كان يحاول التخلص من معاناته عبر الكتابة، ومنحنا نهاية مشوقة ومختلفة، كأنك تقرأ رواية داخل رواية يكتبها كاتب على لسان كاتب آخر!
ما يؤخذ على الكاتب بعض الشيء هو الوصف الكثير مع تداخل الوصف في الأحداث، ما سبب بعض الارتباك، لكن في المجمل العمل يستحق التجربة لكونه مختلفا لا يشبه سوى “ألوان أغسطس”.
تميزت الرواية بسردها المتمكن، واعتمادها على التشويق في حكي القصة التي كانت تدفعك كقارئ لاستكمال الحدوتة لمعرفة ماذا سيواجه الأبطال في النهاية، وحاول الكاتب العودة بالزمن واستخدام تقنية “فلاش باك” في مواضع مناسبة وسط أحداث كلما استمرينا في القراءة وصولا للنهاية.
كانت الثقافة السينمائية للكاتب حاضرة بشكل قوي في السرد، ومن العوامل المميزة للغاية في الرواية التي تعتبر قصيرة نسبيا هي الرسومات، والتي أعطتها طابعا هادئا وجميلا وأتمنى رؤية تلك الفكرة في أعمال أخرى بعد جودة تنفيذها في “ألوان أغسطس”.