نقلا عن جريدة الدستور بقلم الصحفي يوسف الشريف
كثيرًا ما يراودنا سؤال التقدم؟ ما هي الأدوات التي نحتاجها في طريق التنوير؟ وكيف سبقتنا الأمم الأخرى؟ وكيف وصلت تلك الشعوب إلى ما وصلت اليه من تقدم وازدهار؟!
هذه الأسئلة شديدة الأهمية والمتعلقة بواقعنا الراهن، يحاول الكتاب الذي نتحدث عنه الآن البحث عن إجابات لها.. والكتاب هو “مختصر تاريخ أوروبا” للكاتب شريف سامي، والصادر حديثًا عن دار دون للنشر والتوزيع.
في الكتاب يعيد الكاتب قراءة تاريخ القارة العجوز، يتأمل مراحل خروجها من ضيق الظلام إلى اتساع الأنوار، لتصبح تلك القارة بالرغم من كل الصعوبات والعثرات التي تعرضت لها “تمتلك القوة العسكرية والاقتصادية والوحدة الأممية التي تبقيها في مقدمة السباق العالمي، حيث إنه بين دول أوربا هناك 5 دول مدرجين في قائمة العشرة الأوائل كأكبر الاقتصادات الوطنية في الناتج المحلي الإجمالي للعالم”.
يكشف الكتاب أسرار وتحولات تلك القارة التي خرجت منها امبراطوريات سيطرت على العالم أجمع لفترات طويلة. بل حتى في العصور التالية لعصور الهيمنة الكولونيالية والاستعمارية ظلت السياسة الأوربية وحركة التحولات داخل تلك القارة مؤثرة على العالم أجمع.
كما يرصد أبز المعلومات التي تخص القارة، لنعرف لماذا يجب أن نعرف المزيد عن أوربا؟ فهي “ثالث أكبر قارة من حيث عدد السكان بعد آسيا ثم أفريقيا، وأكبر دولة بها من حيث السكان والمساحة هي روسيا التي تحتوي على حوالي 143 مليون نسمة، وتحوز حوالي 40 % من مساحة اليابسة في أوربا قاطنة” (وربما هذه المعلومة التي تبدو بسيطة تعطينا نبذة عن الدور الذي يلعبه الدب الروسي داخل القارة العجوز، وكيف يؤثر الروس في صنع القرارات داخل القارة). هذا بدوره يحيلنا إلى رؤية مغايرة لنعرف كيف تجاوز مدى الحرب التي تدور الآن الإطار الأوربي.
ومن هذه والتحولات التاريخية والسياسية الأخرى داخل الكتاب سواءالثورة الفرنسية أو إقامة الامبراطوريات والحضارات وغياب شمسها واندثارها يتأكد لنا مدى تأثيرما يجري في أوروبا من وقائع وتحولات سياسية على العالم كله وليس على أوربا فقط، فهي أكثرمن مجرد أرض، بل هي مركز للعالم يمكن لأ يحدث أو تحول فيه أن يؤثرعلى الإنسان في كل الدنيا، وربما هذا ما نلمسه بشدة في هذه الأيام حيث الحرب الروسية الأوكرانية التي تدور على تلك الأرض، والتي يتجاوز مداها السياسي والاقتصادي حدود أوربا بكل تأكيد.
من الفصول الأولى يعود الكاتب بالقارئ إلى أوربا القديمة وهي أرض أخرى غير مألوفة ربما لم يتصورها القارئ من قبل، حيث أن أوربا مجرد أرض بها بعض الأكواخ ويسكنها بعض المهاجرين القادمين من شمال أفريقيا وبلاد آسيا. ذلك في فترة ما قبل الميلاد.
تسير خطى التحضر بطيئة لنصل بعد ذلك إلى إقامة الحضارة اليونانية، التي تركت من الأفكار الخالدة ما تركت، ولكن قبل تلك الحضارة كان هناك الحضارة المينوية، وهي حضارة من العصر البرونزي نشأت في جزيرة كريت. والحضارة الميسينيةوالهيلينية والهلنستية. يتوقف الكاتب بالرصد والشرح والتحليل ليكشف ما خفي من تفاعلات تلك الحضارات التي سينتج عنها فيما بعد حضارة روما، ومن ثم عصر الامبراطوريات الكبرى وطيدة الصلة بعصرنا الحديث.
نتعرف على حركة التقدم ونتتبعها، ونرى اللحظات التي توقفت فيها وتراجعت، كما حدث في عصر دقلديانوس الذي أطاح بسياسات ونظم الإمبراطورية الرومانية.
في الكتاب ننتقل من حقبة إلى أخرى ومن عصر إلى آخر بسهولة ويسر،نعرف صورة أوربا في العصور الوسطى، نرى كيف ولماذا سقطت حضارة روما؟ وكواليس دخول المسلمين أوربا وأبرز المعارك التي خاضوها، وفتح القسطنطينية وكذلك تفاصيل خروج المسلمين والأثر الفكري الذي تركوه هناك، وتحولات كل مرحلة وتبعات الحروب والثورات سواء الثورة الفرنسية، أو الحربين العالميتين.
وبالرغم من ذلك فالكتاب لا يتوقف فقط أمام أبرز التحولات السياسية والتاريخية ولكن يرصد أيضًا أبرز المراحل التي مر بها الفن الأوربي وعناصر تطوره من عصر للثاني، ومن ثم مراحل تطور العقل الأوربي، والأفكار التي كونها في رحلته من التخلف إلى التقدم، نرى الحركة العلمانية الأكثر أهمية والتي جاءت من جنوب فرنسا وهي حركة التروبادور. وكيف في النهاية انتصرت حركة التنوير على القوالب المحفوظة، وذلك بعدما اصطدموا بعلامات الاستفهام التي كانت تحاصرهم ولازالت تحاصرنا.