بقلم الصحفي إسلام وهبان
تُشكل معارض الكتاب أهمية كبيرة لدى المحبين للثقافة والمعرفة، ليس فقط لكونها مراكز هامة لشراء الكتب وما تقدمه من تنوع هائل في الأعمال المعروضة لدور النشر المشاركة من دول مختلفة، لكن أيضا لكونها محفلا ثقافيا هاما ونقطة تلاقي ثقافات ورؤى مختلفة من خلال المناقشات وورش العمل التي تقام على هامش هذه المعارض.
ونظرا لما تحمله معارض الكتاب من أهمية كبيرة لنشر الثقافة، فسنحاول في مدونة “دوِّن” من خلال هذه السلسلة، الاحتفاء بأبرز معارض الكتاب الدولية والحديث عن تاريخها وكيف تطورت فكرتها.
وقد انطلقت الثلاثاء الماضي فعاليات معرض مسقط الدولي للكتاب، في دورته الـ27، والتي من المقرر أن تستمر حتى 3 مارس 2023، والذي يعد أحد أبرز معارض الكتاب في الوطن العريي ومن أكثرها جماهيرية.
ميلاد الفكرة
جاءت فكرة إقامة معرض دولي للكتاب في سلطنة عمان كمشروع ثقافي وفكري وتوعوي تلبية إلى حاجة الساحة المعرفية الثقافية بالسلطنة إلى إقامة معرض للكتاب، باعتبار أن معارض الكتب تعد من أهم الأوعية المعلوماتية لكسب المعارف ولإبراز الإنتاج الفكري والثقافي.
انطلقت الدورة الأولى لـ معرض مسقط الدولي للكتاب في 30 أكتوبر عام 1992، برعاية السلطان الراحل قابوس بن سعيد، وكانت دورة مبشرة حيث شارك في الدورة الافتتاحية للمعرض آنذاك ما يقرب من 19 دولة، ولكن اقتصرت هذه الدورة على عرض الكتب ودون إقامة فعاليات أو برامج ثقافية مصاحبة للحدث، نظرا لإقامته بإحدى الفنادق الكبرى بمسقط، والتي لم تكن مجهزة بالقدر الكافي.
توقف 3 سنوات
أٌقيمت الدورة الثانية من المعرض في الفترة من 20 إلى 29 أكتوبر عام 1993، وشارك بها نحو 20 دولة. أعقب ذلك توقفا لدورات المعرض حتى عام 1997. وعاد بعد ذلك تعاون بين وزارة الإعلام، ووزارة التراث والثقافة، وجامعة السلطان قابوس، بعد أن تكونت لجنة منظمة له من تلك الهيئات الحكومية الثلاث، وباشرت اللجنة عملها بوضع الخطط اللازمة التي تضمن استمرارية المعرض ونجاحه، وقد نظمت تلك الدورة وهي الثالثة ما بين 15 و28 مارس عام 1997، وبلغ عدد المشاركين في هذه الدورة 176 ناشراً، من 18 دولة.
تغيير المكان وبرامج ثقافية كبير
واصل المعرض تطوره وصعوده خلال السنوات التالية، وتوسع في تقديم البرامج الثقافية، ليصل في دورته الـ13 عام 2007 إلى 316 ناشرا من 20 دولة، منهم 16 ناشرا من 6 بلدان أجنبية، و41 من السلطنة، وزاد عدد الزوار عن 330 ألف زائر.
وبالعودة إلى تاريخ نشأة المعرض، فقد كان يقام كمعرض صغير ينظم في أحد الفنادق، لما يقرب من 10 سنوات. وكانت الأرفف مكتظة بالكتب دون تسهيل على القارئ الذي كان يبذل مجهودا كبيرا في البحث عما يريده، بالإضافة إلى أن ضيق المكان المقام فيه المعرض كان يسبب زحاما وتوقف في الحركة وصعوبة في الوصول إليه.
ومن هنا جاءت فكرة تخصيص مكان محدد لمعرض مسقط الدولي للكتاب، وظهر مركز عُمان للمؤتمرات والمعارض كحل بالغ الأهمية لإقامة المعرض، ليستوعب مئات الناشرين من كل مكان حول العالم. وشهد المعرض تطورا ملحوظا في الكم والكيف، فيتواجد المعرض في مبنى مقام على الطراز الحديث يستوعب آلاف الزائرين يوميا من كل مكان.
كما يقام في المعرض العديد من الفقرات الغنائية والموسيقية والمسرحية والسينمائية، بجانب الفغاليات الثقافية والأدبية والعلمية. إلى جانب تقديم العديد من الفعاليات المخصصة للأطفال وطلاب المدارس بشكل خاص. ويستقطب المعرض كل عام عدد كبير من المتطوعين للعمل به خلال فترة إقامة المعرض.
شهد المعرض على مدار سنوات استخدام التكنولوجيا الحديثة في التسهيل على القارئ والزائر في الوضول لما يريده سواء داخل المعرض، أو من خلال بوابة المعرض الرقمية التي يوجد بها جدول فعاليات المعرض وخارطة للمعرض، بالإضافة إلى تطبيق المعرض الذي يوفر كافة الأمور المتعلقة بالمعرض للزائر.
دورة فارقة
شهدت الدورة السادسة عشرة وفرة في الأنشطة الثقافية، وقد تناولت الندوات المصاحبة موضوعات متنوعة متعلقة بسلطنة عمان، وبالوطن العربي، وقضايا الفكر والإنسان، منها حقوق المؤلف في العصر الرقمي، وقراءات نقدية للكتب الحديثة من إصدارات الجمعية العمانية للكتاب والأدباء.
كان من المميز في تلك الدورة أن معروضات الكتب لبت احتياجات جميع فئات الاجتماعية، وأذواق مختلف القراء، كما زاد فيها حجم الإنتاج الفكري والعلمي والأدبي العماني، حتى لدى دور نشر من خارج السلطنة، وكذلك كانت الأنشطة الثقافية متنوعة واستضافت وجوهاً عربية وعمانية لها حضورها المميز في ساحة الإنتاج الفكري. ورغم الارتفاع الكبير في أسعار الكتب فإن الإقبال على شرائها كان مرتفعا، وقد أفلحت الرقابة التي فرضتها اللجنة المنظمة على الأسعار في الحد من المضاربة بها، كما كشفت حالات من الغش والقرصنة الفكرية وفرضت عقوبات على أصحابها.
تعتبر تلك الدورة فارقة في تاريخ معرض مسقط الدولي للكتاب، حيث تغير وضع المعرض دوليا منذ إقامتها، وتم وضع معرض مسقط للكتاب على قائمة معارض الكتاب المهمة دوليا، وزاد الإقبال عليه والتعاون من أجل المساهمة والمشاركة فيه.

توقف بسبب كورونا
كانت إدارة المعرض أعلنت عن تأجيل الدورة 26 من معرض مسقط الدولي للكتاب، وتوقف المعرض لمدة بسبب ظروف انتشار فيروس كورونا حول العالم.
عاد المعرض في دورته الـ26 عام 2022 مع الأخذ في الاعتبار الإجراءات الاحترازية للحفاظ على المشاركين في تلك الدورة، التي بلغ عدد زوارها 800 ألف زائر بزيادة حوالي 50 ألفا عن زوار المعرض خلال دورته السابقة، وشارك في المعرض أكثر من 500 ناشر من 24 دولة عربية وأجنبية.
مشاركة دوِّن بمعرض مسقط
تشارك دار دوِّن للنشر والتوزيع بمعرض مسقط الدولي للكتاب، بشكل دائم منذ 6 سنوات، وذلك لإيمانها الكامل بأهمية القارئ العماني، وحرصا منها على نشر الثقافة وزيادة الوعي لدى الشباب العربي، ولرغبتها في دعم المعارض العربية في تقديم رسالتها.
وتحرص “دوِّن” على المشاركة بمعرض مسقط من خلال عدد كبير من الإصدارات التي تتميز بالتنوع الكبير ما بين الروايات الرومانسية والاجتماعية وأدب الجريمة والترجمات وأدب السيرة والأعمال الفكرية والفلسفية التي تناسب اهتمامات الشباب وتهدف إلى رفع وعيهم، فضلا عن كتب التنمية الذاتية.
بأكثر من 500 عنوان تشارك “دوِّن” هذا العام في الدورة 27 للمعرض، بجناح 4M14-4M16، لعدد كبير من الأدباء والذين من أبرزهم عبد الوهاب المسيري، ودكتور نبيل فاروق وديستويفيسكي وباتريك كينج وغيرهم.
تفاصيل الدورة الحالية للمعرض
يشارك في نسخة المعرض الحالية 32 دولة، وبلغ عدد دور النشر المشاركة 826 دار نشر من مختلف الدول، و42 مشاركة رسمية من الجهات المختلفة و31 دار نشر أجنبية. كما يبلغ عدد الفعاليات الثقافية هذا العام 165 فعالية متوزعة في قاعات المعرض المتخصصة لها، ويبلغ إجمالي عدد العناوين والإصدارات المشاركة هذا العام منها 533063.
وتحلّ محافظة جنوب الباطنة ضيف شرف الدورة الحالية، من خلال تقديم النتاج الثقافي والأدبي في مدن الرستاق والعوابي ونخل وغيرها، واستعراض أبرز المعالم التراثية في المحافظة. ويحتفي المعرض بشخصية القاضي والشاعر عيسى بن صالح الطائي (1888 – 1943)، من خلال ندوة تتناول أبرز قصائده العمودية التي تنتمي إلى شعر المناسبات وترتبط بجملة أحداث سياسية واجتماعية في المنطقة العربية، كما يقف المشاركون عند كتابه “القصائد العُمانية في الرحلة البارونية” الذي يتضمّن نصوصاً كتبها خلال استضافته للمناضل الليبي سليمان الباروني (1782 – 1940)، الذي نفته سلطات الاستعمار الإيطالي، حيث طاف معه عددا من مدن عُمان.
ينظَّم بالتوازي “معرض أوائل المطبوعات” بالتعاون مع “مركز ذاكرة عُمان”، الذي يضمّ إصدارات تعود إلى بدايات المطابع العُمانية التي نشأت خارج البلاد في القرن التاسع عشر أوّلاً، قبل أن تتأسّس مطابع في مسقط ومدن أخرى في منتصف القرن الماضي.