زهراء إسماعيل
في روايته الجديدة “الاختباء في عجلة هامستر” الصادرة عن “دار دون للنشر والتوزيع” يصرخ الكاتب “عصام الزيات” صرخات عدة تخاطب قلوبنا وعقولنا وضمائرنا في تسارع شديد، فكانت الصرخة الاولى صرخة شاب مكافح قدر له أن يخطأ مرة واحدة في حق أحد أساتذته، فكانت الخطيئة الأولى التي تشبه خروج سيدنا آدم من الجنة، فخرج “عجايزي” من جنة التعليم والمستقبل المشرق إلى جحيم المستقبل بدون أدنى ملمح لخطوة قادمة، فهل كان عقاب الخطيئة يعادل مستقبل ضائع؟؟؟ وهل كان الإغتراب والعمل بوظيفة مرهقة والتحايل على الجميع بأنه ذو منصب وجاه في بلاد الخليج حلاً لمشاكله؟ وهل كان الزواج المبكر بقرار أبويه قراراً صائباً ام انه كان بداية النهاية؟
“فأن تكون استثمار والديك الوحيد يعني أن تشعر بالذنب دائماَ”
وكانت الصرخة الثانية للطبيب النفسي “عمران” يشترك فيها مع عجايزي باختلاف التفاصيل والخلفية الإجتماعية، ف “عمران” الشاب الواعد الذي تحول دوره بين أبويه إلى “إستثمار وحيد” مطلوب منه التفوق دوماًَ و السير في مسار محدد سلفاً هو ببساطة حلم أبويه، في أسرته من أب وزوج إلى مجرد محفظة نقود متجددة، يقتصر دورها على إمداد زوجته وطفليه بما يحتاجونه للعيش في مستوى قررت الزوجة بقرار منفرد أنه الأنسب لأولاد الطبيب النفسي بدون النظر إلى تبعات هذا القرار من ضغط مادي وتفكك أسري نتيجة غياب الأب في إحدى قرى الصعيد كمنتندب لمدة عام وبمرتب يبلغ الضعف تقريباً، لم تكتف الزوجة بالإبعاد المبرر من وجهة نظرها، بل تفاقم الأمر إلى تجاهل كل متطلبات الزوج سواء في حضوره بالتأفف من كل طلباته مهما كانت بسيطة ومنطقية، وفي غيابه بالإمعان في تجاهله وعدم التواصل معه، فكانت النتيجة أنه أحس بنفسه مجرد فأر في عجلة هامستر…يجري بدون هدف سوى تلبية متطلبات أسرته وبدون أي مراعاة لإحتياجاته الإنسانية، فكانت…محاولة الخروج من القفص
“تشر أن هناك شيئاًَ جذاباً في عالم البمات لم تجربه، جاذبية في الإختلاس من المختفي عن الأنظار، ثم يستعيده الأشخاص ضاحكين بعد مرور الزمن”
للقراءة| “الاختباء في عجلة هامستر”.. نجاة أم خطيئة؟!
وكانت الصرخة الثالثة من نصيب “إنجي” الفتاة الأجمل والأكثر بياضاً في بلدتها التي تتميز فتياتها ببشرة سمراء أقرب للحنطية، مدللة أبيها وقرة عين أمها التي شاء لها القدر أن ترتبط بإبن الخالة الذي يأس الجميع من إصلاح نفسه بعد دخوله في إكتئاب حاد صعب تشخصيه، فقرر الأهل الحل الأسرع ألا وهو الزواج، إنجي التي لم تر في حياتها سوى”عزبة جهنم” وصور متواترة بعث بها إبن الخالة من غربته لسبب ظاهره مراسلة أهله وباطنه محاولة استمالة لابنة الخالة والتقرب منها، ولما تم الزواج المبني على خداع محكم من ابن الخالة والطبيب عمران، قدر لها أن ترزق بطفل ومن ثم اكتشاف خديعة أبيه، وكان للقدر كلمته الاخيرة بوفاة الطفل، ودخلت الأم المكلومة في زوجها وابنها في حالة اكتئاب حادة، لم يخرجها منها سوى الطبيب عمران، بين توق عمران للتجربة ولهفة إنجي للخروج عن المألوف وإحساسها بالظلم البين من الجميع، كانت الخطيئة غير المكتملة.
يصرخ الجميع في الرواية، مع تعدد الصرخات إلا أن الصوت النهائي كان “صرخة ظلم”، ف “عجايزي” ظلمه مدرس جامعي له سلطة قوية فتسبب في ضياع مستقبله، “عمران” ظلمته زوجة وأسرة لم تر منه سوى دعم مادي، صرخة “إنجي” من الخداع وظلم الجميع”.
تميزت الرواية بسرد قوي، فلاش باك محكم لكل شخصية خاصةً “عجايزي” و “عمران” ك أبطال للعمل، جاء الوصف مبهراً في أدق التفاصيل حتى “حركة الشمس واتجاهها”، كما جاء الحوار بالفصحى غالباً وأحياناً بعامية مناسبة للغاية لكل شخصية.
راق لي جداً وصف الكاتب لبعض العادات الإجتماعية مثل”المرماح” و “ردم بؤرة الدم” في وصف جميل زاد من جمال وبهاء الرواية وصحح لي بشكل شخصي معلومات مغلوطة، فطالما صورت لنا الدراما مشهد حمل الق ا ت ل لكفنه على كفه يعلوه س ك ي ن ويقوم أهل المغدور به بالاختيار بين دم القا تل أو دم خروف يمثل فداء أو قبول للصلح، ولكن في الرواية حكى لنا الكاتب على لسان الطبيب عمران المشهد بأنه يتمثل في سرادق كبير يتجمع فيه أهل البلدة وكبار الشخصيات و موفد من وزارة الأوقاف، يخطو القا تل داخل السرادق مرتديا جلبابا مقلوب ويطلب السماح من ولي المغدور به، ومن ثم يحلف الجميع على كتاب الله بقبول الصلح في مشهد يخلو من سكين ودم ويخلو بكل تأكيد من النساء.
أما بالنسبة للمرماح، فقد كانت معلوماتي المتواضعة أنه مجرد سباق للخيل برماح عدة، الفائز ببساطة من يصل أولا، ولكن في الرواية وعلى لسان عمران أيضاً اكتشفت أن المرماح يحدث فقط في المناسبات الهامة، يبدأ التحضير له من عشية اليوم السابق، ثم يبدأ الفرسان في الدوران في حلقات دائرية ومن ثم التسابق وفي النهاية تكون فقرة التحطيب على الخيل.
أجمل ما في تصحيح المفاهيم في الرواية أنه جاء بشكل عفوي بدون حشو زائد أو إسهاب مفرط، بوصف سينمائي جذاب. في النهاية، يستمر”عصام الزيات” في نيل إعجابي واهتمامي بمشروعه الأدبي.