الجمعة, مارس 14, 2025
Dawen APP
الرئيسيةمقالات"الاختباء في عجلة هامستر".. عن الغربة والخيانة والصراع النفسي

“الاختباء في عجلة هامستر”.. عن الغربة والخيانة والصراع النفسي

د. محمد الشخيبي

تعتبر رواية “الاختباء في عجلة هامستر” هي العمل الأدبي الثاني للكاتب عصام الزيَّات، الطبيب المصري الذي تخرج في “كلية الطب” جامعة طنطا، ويدرس الزمالة المصرية في “الباثولوجيا الإكلينيكية”، عصام الزيَّات يكتب ويدون في عدد من المواقع الصحفية، وله مجموعة من القصص القصيرة، وعدد من المساهمات الأدبية، صدر له عن “دار دوَّن” رواية “الكلب الذي رأى قوس قزح” عام 2024.

رواية “الاختباء في عجلة هامستر” مزيج من النوع الاجتماعي النفسي الفلسفي في إطار جريمة قتل، صادرة عن دار دَوَّنْ عام 2025، كتبها في 319 صفحة بلغة فصحى سردًا وحوارًا.

محمد الشخيبي يكتب عن رواية الاختباء في عجلة هامستر

د. محمد الشخيبي

من خلال روايته يقدم الكاتب رسالة عميقة عن قضية اجتماعية هامة بالواقع المصري حاليًا، وهي قضية الخيانة الزوجية، يفعلها الزوج أو الزوجة فعلًا دون علم الآخر، أو يقيم أحد الزوجين علاقة عاطفية في الخفاء، ونظرة المجتمع لتلك العلاقة على اختلاف النشأة الاجتماعية في مجتمع مدني أو منغلق، والنتائج التي تؤدي إليها من عدم الاستقرار والراحة النفسية وفقدان التفاهم والثقة بين الزوجين، والذي يتبعه تفسخ العلاقات وتحطم العائلات والروابط الاجتماعية.

تتمحور فكرة الرواية حول فلسفة الحياة من خلال الشعور الإنساني بالغربة بمعناه الواسع، سواء داخل الوطن أو خارجه، داخل البيت أو مقر العمل، حيث رسم لنا لوحة سوداء لأيام الغربة، فكلنا نجري من أجل لقمة العيش، نخرج من قفص لندخل آخر، لكل فرد عجلته الدوَّارة.

وهنا بدأ الكاتب أحداث روايته بتمثيل جريمة قتل داخل مسرح الجريمة، مشهد مثير يخطف عين وعقل القارئ منذ الوهلة الأولى، ويشعر معه أن هناك شيئًا خاطئًا فيما يحدث ويجب تصحيحه إلى أن تأتي النهاية.

من خلال مشهد تمثيل الجريمة والذي برع الكاتب أن يجعله الحدث الرئيسي الذي تدور حوله باقي أحداث روايته، فبدأ به ثم تتابعت الأحداث، ويرجع بنا مرات عديدة إلى معاينة لمسرح الجريمة؛ لكشف ملابساتها إلى أن ينهيه بنهاية الرواية.

للقراءة| “مذكرات نشال” ضمن الأكثر رواجا على أبجد

في عالمين متوازيين يسرد حكايتين، حكاية (عجايبي) الطالب الأول على دفعته بكلية الهندسة، الذي تدمرت حياته وشخصيته ليتحول من مشروع مهندس إلي سائق عربة أجرة، وحكاية (عمران) الطبيب النفسي الذي تلجأ إليه الأنفس المنهكة طلبًا للمعالجة، والذي يقرر الهروب من حياته العادية إلى مغامرة لا يعرف عواقبها، وكيف برع الكاتب في فصل الرواية الثاني في تلاقي عالمي البطلين ليكملا باقي الرواية معًا في عالم واحد.

يضعك الكاتب في جو من الإثارة والتشويق تلهث معه من الصفحة الأولى، كما برع الكاتب في عرض المشاهد واحدًا تلو الآخر، وكان هو المتحكم الرئيسي في تسارع الأحداث من خلال الوصف والرجوع إلى الذكريات، والتنقل بين الأماكن وداخل الحجرات. كما تعرَّض لاختلاف الفئات الاجتماعية بجمهورية مصر العربية ونظرة كل إقليم للأخر، والعصبية القبلية، واستمرار العادات والتقاليد مثل الثأر والتمائم.

يحكي لنا قصص حب بين أولاد الخالة من جانب، وقصة أكبر بين الطبيب ومريضته، أو الرجل الحكيم والبنت الحزينة في قصة من قصص العشق الممنوع.

أجاد الكاتب وصف وبناء شخصياته الرئيسية، حيث تم إظهار ملامحها من خلال وصفه لكل شخصية، فتظهر جلية حقيقة الشخصيات ومعاناتها النفسية، وقد كان للشخصيات الثانوية دور جيد للكشف عن ملامح الشخصيات، ويظهر ذلك في شخصية (فاروق الضبع) في آخر الرواية، مع اختيار جيد للأسماء.

استخدم الكاتب الراوي العليم ليحكي لنا بلغة سلسة مميزة، بجمل قوية استمتعنا بأسلوبه الأدبي المميز، غلفها في بعض الأحيان بجمل ساخرة بالصوت الداخلي للبطل، تضفي جوا من روح المرح، كما طعمها ببعض الأمثال الشعبية.

قسم روايته إلى ثلاثة فصول بطريقة مدروسة وعناوين منتقاة، تخدم الحبكة، كما أدخلنا عالم تكنولوجيا الهاتف وتطبيقاته، الدخيل الجديد والضيف الثقيل، ومشاكل سوء فهم واستخدام تلك الوسائل التكنولوجية، وتعارضها مع قيمنا وثقافاتنا وخصوصيتنا.

أجاد الكاتب استخدام تقنية الاسترجاع، حيث قام الراوي بترك الزمن الحالي ليسرد بعض الأحداث القديمة؛ ليكشف عن الجانب الخفي في حياة البطلين (عجايبي) و(عمران)، حيث يصل الماضي بالحاضر ليكشف عن دخائل النفوس، ليزيل عنها الخبايا في نهاية الرواية.

عصام الزيات

قام بتحديد المكان تحديدًا دقيقًا، حيث أدخلنا إلى ربوع مصر الثلاثة؛ العاصمة وبحري وقبلي، من خلال جامعة الأزهر بالقاهرة وقرية بوريج، وكوم الأخضر بطنطا، ومستشفى بقرية منسية من قرى الأقصر تسمى عزبة جهنم.

كما قام بتحديد الزمان في فصل الصيف خلال سنوات قليلة، قبل وبعد جائحة كوفيد 19، حيث لعب الصيف دورًا رئيسيًا في الرواية، وارتباطه بالشمس كان رائعًا. ومن الملاحظ أنه لا يوجد تسلسل زمني في الرواية بالمفهوم التقليدي، لكن تتابع المشاهد من أول الرواية إلى آخرها غير منتظم، ومن خلال هذه المشاهد تتشكل البنية الكلية للرواية.

أثار الكاتب إعجابي بعدة تشبيهات ومشاهد وصفية مثل: وصفه رحلات السفر بالقطارات، وكيف أبدع بوصفه لشخصية (إنجي) وذكره لذلك بالصفحة المائتين – أي بعد ثلثي الرواية – ولكنه كان في محله. رسمها الكاتب باحترافية لدرجة تمس قلب القارئ.

أحسن اختيار العنوان الذي يحمل معنى عميقًا معبرًا جدًا عن رسالة ورمزية الرواية، كما أن تصميم وألوان الغلاف كانت مميزة.

تثير الرواية كثيرًا من الصراعات داخل عقل القارئ منها (ما سر كابوس سرب الموتى وطلبهم القصاص؟ وهل تلك المغامرة ستضيف فردًا جديدًا لذلك السرب؟ وهل يمكن للإنسان الاختيار بين الاختباء وراء عجلة الهامستر أو الخروج من القفص؟).

يقدم الكاتب رسالة إنسانية واضحة عن الغربة ومشاكل المجتمع من البطالة، والعادات والتقاليد المصرية كالتبرك والتشفع بالأولياء، والخوف من الحسد، وجلسات تقديم الكفن بالصعيد، ولم ينسى البيئة التي يعمل بها الطبيب ومخاطر مهنته.

بخاتمة تثير الكثير من الغموض، هل هي جريمة شرف أم لا؟ لم يذكر أحد كلمة خيانة، لكن الكاتب أجاب على جميع الأسئلة في عقل القارئ هل القتيلة مظلومة وشريفة أم هي ظالمة وخائنة؟

وفي النهاية، لا أستطيع إلا أن أقول إننا أمام إبداع كاتب روائي موهوب مثقف واعٍ لواقع المجتمع ومشاكله، محترف في رسم حبكة قوية، بشخصيات حقيقية، يتمتع بحس مرح، ملم بجماليات اللغة، عرض علينا رواية ممتعة طوال جلسة القراءة، واختتمها بنهاية مرضية.

ستعيش تجربة جميلة مع الغموض والإثارة الذي يحيط بأحداث تلك الجريمة، لا توجد مشاهد أو أحداث مكررة، ولكن يطل علينا منذ اللحظة الأولى بالمتعة، يجذبك الكاتب بحبكته وأسلوبه وتشبيهاته ووصفه ومفرداته ولغته ولا تترك الرواية إلا ملتهمًا كل صفحة منها.

مقالات ذات صلة
- Advertisment -

الأكثر شهرة

احدث التعليقات