هل تعلم أن دراكولا مأخوذ عن شخصية حقيقية؟
من هو فلاد دراكولا الحقيقي؟
هل تعلم أن قلعة دراكولا موجودة حقًا في ترانسلفانيا؟
لماذا “ترانسلفانيا” عبر العصور والأزمنة والتاريخ مدعوة “بالأرض خلف الغابة” حيث أنها منبع كل الخرافات، منها أتت حكايات مصاصين الدماء والمستذئبين والهائمون ليلًا في المقابر والساحرات.
ما هو سر أرض ترانسلفانيا؟ التي شيد فيها فلاد المخوزق، أحم كان هذا اسم شهرته، فلاد دراكولا قلعته الشهيرة؟
وهل تكن تعلم أنهم عندما فتحوا تابوت الكونت دراكولا في الثلاثينات وجدوه فارغ؟ حسنا دعك أحك لك عن تاريخ دراكولا الحقيقي، فقط حاول ألا تخف عند قراءة المقال، فقط حاول ..
حسنا، لنبدأ.. فقط تذكر، الوقائع التالية موثقة تاريخيًا
نحن الآن في عام 1448، نقف بالفناء المواجه لقلعة فلاد دراكولا، فلاد تيبس الثالث
قلعة بويار، قلعة فلاد دراكولا، جبال الكاربات، ترانسلفانيا.
بالمناسبة، تلك هي قلعة دراكولا وليست قلعة بران المتعارف عليها كاعتقاد خاطئ وشائع.
وملحوظة أخيرة:
كل الصور المرفقة بالمقال لقلاع شيدها فلاد المخوزق أو أقام فيها في ترانسلفانيا، رومانيا.
أين كنا؟ آه، وأمامنا في المسافة الفاصلة بيننا وبين الحديقة تستقر مئات الخوازيق، هذا الاختراع البشري “اللطيف” لإنهاء حياة المعذبين ببطء. وأمام أعيننا المذعورة نرى مئات الرجال والنساء يحتضرون… يئنون… تنبثق الدماء من أفواههم، وهم مغروزون ومعلقون فوق تلك الخوازيق. أجسادهم تنزلق ببطء لأسفل. نبكي ونحن نرى المشهد، تلك طريقة بشعة للموت. الأرض كلها لينة بدمائهم، بعضهم قد همدت حركته بعدما برز رأس الخازوق عبر رأسه أو عنقه أو فمه.
هؤلاء قوم على الخوازيق يحتضرون في حديقة القلعة، وأمامهم رجل نحيف ذو شارب ضخم يجلس أمام مائدة الإفطار، يراقب المشهد ويجرع من كوب ممتلئ بدمائهم.
نحن الآن في قلعة “بويار” الحصينة، والقابعة وسط جبال الكاربات التي تحيط بالقلعة على شكل حدوة حصان.
وملحوظة أخرى: هذه وقائع تاريخية وجغرافية موثقة.
قلعة بويار
هذا كان وصفًا للوحة التاريخية الشهيرة للأمير الوالاشي – نسبة إلى مقاطعة والاشيا – المشهور باسم فلاد دراكولا. ودراكولا تعني الشيطان في اللاتينية والتنين في الرومانية، وهو أتى من سلالة محاربين تدعى “التنين” التي تصل أصولها إلى المحارب الرهيب أتيلا الهوني.
نعود إلى اللوحة الرهيبة الموجودة حقًا. هذا ما سيحدث لك لو أصبح فلاد المخوزق عدوًا لك؛ ستقضي أيامًا تحتضر ببطء وعذاب فوق أحد خوازيقه، وربما يقطع أعضائك وأطرافك ويصفي دماءك.
والآن، لنترك فلاد المخوزق يستمتع بإفطاره وندخل قلعته الرهيبة، حيث تردد في الأرجاء صرخات المعذبين بالخارج. وهناك جثث أتراك في ردهة القلعة، وقد دق فلاد المسامير في رؤوسهم. لن أقول مرة أخرى إن تلك وقائع تاريخية حقيقية. لا ريب أن حبيبته، أميرة تلك القلعة، قد جُنّت ورمت بنفسها من أعلى بعدما ظلت تردد أن: “صرخات الموتى تتردد ليلًا في دهاليز القلعة كالأشباح.”
وهناك شيء يجب أن نعلمه بشأن فلاد: لقد كان يحب زوجته بحق. وبعدما ماتت، رفع رأسه للسماء وصرخ صرخته الشهيرة.
يقولون إن تمثال العذراء بكى دمًا عند مولده.
فلاد المخوزق دراكولا
وبعد ميلاده، أخذه السلطان محمد الفاتح هو وأخاه أسرى في طفولتهما. وشب فلاد فارسًا ومحاربًا. عاد إلى رومانيا بنية الانتقام من النبلاء الذين غدروا بأبيه، وشخصيته الكاسحة والقيادية جعلته ينجح في هذا. استطاع تكوين جيش صغير واستعاد به حكم ترانسلفانيا ووالاشيا، وهما أهم مقاطعتين في رومانيا.
لكن فلاد كان متمردًا؛ يحارب جيوش العثمانيين والكنيسة في آنٍ واحد. ووجد أن الخوف هو سلاحه الوحيد، فلجأ إلى الرعب. كان يخوزق أعداءه أحياء ويشرب دماءهم. وانتشرت الإشاعات من حوله بأنه لا يموت أبدًا في المعركة…
نعم، كان قائدًا للجيوش ويحارب بنفسه.
علام تنظرون؟ لماذا لا تركزون معي؟ آه، تنظرون إلى هذا المشهد بشرفة القلعة… الأميرة، مولية ظهرها، أيانا. يقولون إن فلاد الثالث، المخوزق، قد أحبها. ويقولون أيضًا إن جيشه كان قليل العدد، ولذلك لجأ إلى الخوف وتلك الأفعال الشيطانية والجهنمية ليزرع الرعب في قلوب أعدائه.
حارب الأتراك والكنيسة على حد سواء، وحكم ترانسلفانيا عام 460، بعدما فتك بالنبلاء في مذبحة تشبه ما فعله محمد علي بالمماليك. أراكم تفكرون بفلاد الصغير، الذي أسره الأتراك بعد مقتل أبيه على يد النبلاء. احتفظ السلطان محمد الثاني بأخ فلاد، بينما عاد فلاد مراهقًا إلى رومانيا.
محارب شجاع ذو شخصية وكاريزما كاسحة، يلتف حوله القوم وينصاعون لأوامره. بدأ في الثورة على النبلاء، ونقض الهدنة مع الأتراك، وأعلن نفسه حامي بيزنطية، والأخير من سلالة “الدراجول.”
نشهق ونحن نرى تهليل القوم له. يقولون إنه أصيب عدة مرات في المعارك، إصابات قاتلة، وأعلنوا موته عدة مرات، لكنه دومًا كان يعود… يحيى. لم يكن مواليًا للكنيسة رغم محاربته للأتراك وهزيمته لهم، بل حارب الكنيسة كذلك.
استقل فلاد الوالاشي – نسبة إلى والاشيا التي وُلد بها – بحكمه في ترانسلفانيا، بعدما شيّد قلعته الرهيبة. لكن بعد ذلك، سُجن لمدة أربعة عشر عامًا في زنزانة مظلمة. يقولون إنه لم يعد يتحمل الشمس بعدها… أمم، ألا يذكركم هذا بموضوع مصاصي الدماء والشمس؟!
جبال الكاريبثيان المحيطة بقلعة بويار، قلعة دراكولا كحدوة الحصان
يعود فلاد المخوزق ويكوّن جيشه من جديد، يسترد قلعته ويوقف زحف الأتراك. لكن أخاه، الموالي للسلطان، يتحالف مع الكنيسة وينصبون فخًا لفلاد. هناك ينتهي المطاف به… يُقتل بسيف، مثل الوتد، في قلبه.
دُفن فلاد دراكولا أمام قلعته، لكن القصة لم تنتهِ هناك. بعد قرون، ومع انتشار رواية برام ستوكر الشهيرة دراكولا وفيلم نوسفيراتو، تزايدت الأساطير من حوله. وفي الثلاثينات، قرر باحث تاريخي فتح تابوت فلاد دراكولا… لكنه وجده خاليًا.
هل اختفى جسده؟ أم أن الأسطورة حقيقة؟ ربما كان فلاد أكثر من مجرد محارب، وربما بقيت بعض أسراره مدفونة مع الزمن…
سرداب خفي بالقلعة
إلى هنا تنتهي الوقائع التاريخية وتبدأ الأسطورة.
لفهم الأسطورة، علينا أولًا أن ندرك أن ترانسلفانيا تُعد من أكثر بقاع الأرض رعبًا وغموضًا. من هناك جاءت أساطير المستذئبين، والغيلان، ومصاصي الدماء، والأشباح، والموتى الأحياء، وغيرها من الحكايات التي ترعب المخيلة البشرية. لكنها أيضًا من أجمل بقاع الأرض، بجمال طبيعتها وسحر جبالها وغاباتها الكثيفة التي تخفي بين طياتها ألف حكاية.
هناك، في ترانسلفانيا، يعلق الناس الثوم على الأبواب حتى يومنا هذا، لمنع دخول النوسفيراتو إلى بيوتهم. كلمة نوسفيراتو تعني “مصاص دماء” باللاتينية، وتُترجم في لغتنا إلى “دراكولا”.
هناك أيضًا، وثقت حالات لجثث فارغة من الدماء، مع ثقوب في أعناقها. وأخرى لجثث دفنها السكان وقد حُشيَت أفواهها بالثوم، وتغطّي عيونها المحدّقتين العملات المعدنية، خوفًا من أن تتحول إلى مصاصي دماء. كل هذا حدث بالفعل في رومانيا.
الكثيرون كتبوا عن هذه الحكايات، لكن الغريب أن بعض القصص عن مصاصي الدماء تعود بجذورها إلى المصريين القدماء أيضًا!
أما عن ترانسلفانيا ودراكولا، فيُقال إنه لُعن، وأن الظلام استحوذ على روحه. لهذا السبب لم يجدوا تابوته في النهاية. وهكذا، وفقًا للأسطورة، أصبح دراكولا مصاص دماء يهيم في الأرض لينشر الرعب والهلع في كل مكان.
هكذا يبدأ السرد الأسطوري لدراكولا، الرجل الذي تماهت فيه حدود الواقع والأسطورة، ليصبح أيقونة للرعب الأبدي.
جبال الكاريبثيان المحيطة بالقرى في ترانسلفانيا، ومن هنا أتى مصطلح ” الأرض خلف الغابة “
فتلك البقعة الرومانية لا يجرؤ القادم على دخولها. ستجد نفسك وكأنك في عالم داخل عالم، حيث السماء هي قمم جبال الكاربات، وكل الأساطير الليلية تأتيك من الأرض البعيدة خلف الغابة.
في رواية برام ستوكر، سترتعد رعبًا لسبب بسيط: دراكولا هو الليل، وكل ما نخافه من الليل وزواحفه. إنه الخفافيش التي ترفرف في الظلام، الزواحف الليلية، الثعابين التي قد تزحف فوق عنقك وأنت نائم، حشود الفئران التي قد تهاجمك في جنون، السحلية التي قد تجدها فوق شفتيك وأنت مغط بالنوم، هو العقارب والذئاب. إنه كل شيء مرعب في الليل.
في الرواية، ستاره يزحف على الجدران، وينسلّ بخفة إلى غرفة ضحاياه ليفرغ دماءهم بأنيابه، وهم في حالة وهن تام. فهو ينومهم مغناطيسيًا، أو يصيبهم بشلل النوم، تمامًا كأفعى تكبل ضحيتها قبل أن تلتهمها.
نحن نتحدث عن رواية كُتبت قبل قرابة مئتي عام، وصدر عنها ما يقارب مئتي فيلم ومسلسل ومسرحية. منذ عام 1924 وحتى عام 2024، لن يمر عام تقريبًا دون اقتباس سينمائي واحد على الأقل عن تلك الرواية.
إنها عن الكونت دراكولا، وقصره في ترانسلفانيا. أو كما قال الكونت نفسه:
“نحن في ترانسلفانيا، أمورنا ليست كأموركم، وعاداتنا ليست كعاداتكم.”
وأضيف أنا: الليل مختلف هنا.