لن أبدأ بسؤال “من أين أبدأ؟” بالتأكيد، ستُهزّ رأسك وتقول لي أن أجد طريقة مبتكرة، أعني أن الابتكار طفل صغير يحبو ويتعلم منك المشي، لكنك متواضع أكثر من اللازم..
إنسان أكثر من اللازم..
موهوب أكثر من اللازم..
حالم أكثر من اللازم..
لكن، لا يوجد “أكثر من اللازم”.. دعني أحاول مرة أخرى..
لأنك..
إنسان بلا حدود
موهوب بلا حدود
متواضع بلا حد..
نعم، هذا أفضل ويليق بك، لا مستحيل مع أحمد خالد توفيق، أليس كذلك؟ تلك هي الحقيقة..
من أين أبدأ؟.. آه سحقًا، لقد قلتها.. حسنًا لنحاول أن نتبع النصيحة القديمة – التي ألّفتها للتو – لو لم تعرف ما الذي يجب عليك فعله، استعِن بفتاة جميلة..
لا تنظر إليّ بتشكك هكذا، لا توجد فتيات جميلات معي ولا نَنْوي الاحتفال بعيد ميلادك بتلك الطريقة، فقط تعالَ ولسوف أريك أُناسًا ينتظرون، لهم نفس تأثير الفتاة الجميلة وربما أقوى.. تعالَ معي..
آه، ها هو ذا يا رفاق.. لقد وصل..
أنت تراهم يلتفون حول المائدة في الغرفة المضاءة بالشموع، نور ساطع جميل ينعكس على ظلال الغرفة ذات الجدران الحجرية، لأننا في كهف جميل داخل جبل سحيق بوادٍ أخضر سحيق، بهيّ الألوان، لحظة الغروب.. ها هي ذي أغاثا كريستي ترتدي قبعة احتفال وتحتفل مع الباقين: إدغار آلان بو، ودوستويفسكي – لم أره يبتسم من قبل، مجيئك أحدث فارقًا بالتأكيد – صلاح عبد الصبور، وهيتشكوك، وسومرست موم، وديكنز، وشكسبير.. الشلة كلها هنا كما ترى، تحتفل بعيد ميلادك..
لأنه رجل طيب.. ولا أحد ينكر هذا..
الكل يردد الأغنية..
لأنه رجل موهوب.. ولا أحد ينكر هذا..
أرى إدغار – معذرة على رفع الكلفة بيني وبينه، فهو يقيم داخل عقلي لو لم تكن تعرف هذا – يقترب مني ويرفع كوبًا من العصير ويقول: خطبة..
فيردد الباقون: خطبة.. خطبة..
ويضيف إدغار آلان بو لك: لا تقلق بشأنه، هو يحب التحدث بكثرة ويحب مسألة إلقاء الخُطب تلك، لو تركته لحاله لظل يتحدث بلا توفيق حتى تحترق النجوم و…
أحم.. إدغار، هذا ليس بالتوقيت المناسب..
حسنًا، بإمكاني الحديث عن الأثر الذي تركته، والإنجاز الذي حققته خلال وجودك، وعقب رحيلك..
بإمكاني الحديث عن موهبتك الرهيبة، وثقافتك، وشغفك اللامتناهي بالفن بكل أنواعه، ومعرفتك بكل من نبضت قلوبهم بهذا الشغف وتلك الأحلام قبلك.
هل أتحدث عن معزونة آنا كارنينا وعشقك للموسيقى، وكيف كتبت رواية عنها؟
أم عبقرية روايات مثل السنجة أو في ممر الفئران أو إيكاروس أو شآبيب؟
موهبتك في تقديم ألعاب تفاعلية للقراء من باب: “لماذا لا أبتكر أشياء لا يجرؤ أحد على الدنو منها؟”
أم أتحدث عن عقل بلا جسد، وكيف غيّرت أسلوب وتقنية كتابتك ببراعة منقطعة النظير، لتضاهي حقبة دويل وآلان بو، وتقدم لنا هولمز وواطسون هذا العصر؟
هل أتحدث عن المرة الأولى التي وقعتُ فيها بغرام برنادت عندما قرأتُ سافاري للمرة الأولى؟
أم عبقرية وتنوع أساليب السرد: من راوٍ عليم إلى ذاتي، إلى رسائل، ومن كلاسيكي إلى معاصر في أعمالك؟
رفعت؟ رفعت إسماعيل، صديقي المقرب، والظل الآمن والدافئ الذي أهرع إليه كلما واجهتُ الأمرّين؟
هل أتحدث عن انتظاري لصدور عدد جديد من أعمالك؟ وكمّ الانفعال الذي كنت أمرّ به وشتى المشاعر، أنا وصديقي محمود، فهناك رفعت إسماعيل داخل قلبه كذلك؟
لا أعرف من أين أبدأ حقًا.. آه نعم، لقد قلتها..
لا أعرف من أين أبدأ، لكني أعلم بالتأكيد أنه لا نهاية لك..
مثل ستوكر، وشيلي، وبوخ، وكينج، وشكسبير..
بعض الفنانين باقون للأبدية، وأنت منهم..
كلما اشتدت وطأة الأمور نهرع إليك لنحيا وسط عوالمك ومشاعرك، لسبب بسيط وجميل.. أسباب للدقة، منها موهبتك وخيالك، وحالة الوَنس الغريبة التي نشعر بها عندما نقرأ لك..
كنت دومًا معي في أحلك الأوقات..
حتى عندما مررتُ بحادثة منذ سبعة أعوام وكنت في العناية المركزة، طلبتُ من صديق إحضار رواية لك لتكون خير أنيس وجليس معي في تلك الفترة.
أعني، كنت مهشَّم الأضلاع، وأحدهم قرر بحماسة أن يثقب ال…
إدغار آلان بو مقاطعًا: أعذروه، هو ينتهز أي فرصة لذكر مسألة حادثة السيارة تلك، وكيف أنه كان مهشمًا وجزء من أذنه مقطوع، وبعدها سيحكي لك عن الحلم الذي رآه عندما فقد وعيه في الحادثة.. فقط دعك من استطراده الشخصي وحديثه عن نفسه.
شكرًا يا بو، أنت رائع كالمعتاد. على أي حال، لا يمرّ يوم دون أن أصلي وأسجد حمدًا لله على نجاتي وكوني تعافيتُ من تلك الحادثة. وهناك بالطبع تلك المرة التي…
إدغار: أحم.. أرى غرابًا قادمًا ليربض فوق كتفك لو لم تعد لما كنت تتكلم عنه في الأصل…
نعم.. نعم، ما كنت أتحدث عنه في الأصل.. هل تعلم ما الذي يتمناه؟ أن يقرأ الجميع رواياتك وسلاسلك، فهي ستحرك قلوبهم وإنسانيتهم وخيالهم وحس المغامرة لديهم، وستعطيهم وَنسًا ودفئًا وحبًا.. وأسلوبك الساخر كذلك.
أتذكر جملتك عندما أجبتَ سؤالاً طُرح عليك: “أكتب الرعب لأني أحبه، ولم أجد أحدًا هنا يكتب ما أحب قراءته، لذا كتبته”.
منذ شهر، أعدتُ قراءة أسطورة مملة – وهي كما هو متوقع منك، من أفضل ما كتبت، وأكثرها غموضًا وصدمة وتناقضًا مع الاسم – ولم أكف عن الضحك بصوت عالٍ خلال قراءتها..
كنت دومًا معي..
في القطارات والمحطات والطائرات.. في البيوت والشارع.. لم تفارقني أبدًا، دومًا أقرأ لك! تلك حقيقة غريبة..
شكرًا للبصمة التي تركتها داخل روحي، وللأشياء الحلوة التي تعلمتها منك..
عيد ميلاد مفعم بالخيال..
أرى شلةً أخرى قادمة من مدخل الكهف لتحتفل بك..
فتاة كندية جميلة اسمها برنادت، وطبيب عصبي ذو لحية اسمه علاء عبد العظيم، فتاة حائرة ومترددة لكن واثقة من نفسها في الوقت ذاته، وتمتلك خيالًا خصبًا اسمها عبير، بجوارها رجل فارع يدعى المرشد، ورجل يدعى محمود السمدوني، انظر إليه، لم يكن يعرف الحقيقة بعد، مثل إيكاروس..
آه، وهذا الرجل ذو البذلة الكحلية التي تجعله وسيمًا، رفعت إسماعيل قد وصل يا سادة، بشخصيته وحسّه الساخر اللاذع، وعقله المتقد ذكاءً..
هم يريدونك للاحتفال بك كذلك..
لكن انتظر.. لا تذهب.. لا تذهب.. يمكننا الانضمام جميعًا والاحتفال سويًا.. شلتان تندمجان لتصبحا شلة واحدة..
أشياء كتلك لا تحدث فيما يطلقون عليه “الواقع”.. لكننا هنا..
وهنا، بإمكان كل شيء جميل أن يحدث..
عيد ميلاد سعيد يا أحمد خالد توفيق..
ملحوظة:
أتمنى ألا يسمعني إدغار آلان بو وأنا أقر بهذه الملحوظة، لكني أعرف عشق أحمد خالد توفيق للسينما والموسيقى كذلك، بنفس قدر القراءة والكتب، ولذا كنت محتارًا: أي موسيقى أستمع إليها خلال كتابة المقال؟
لأجد أني – بالصدفة، أو ربما لا – قد شغّلت بالفعل موسيقى Spasmo للملحن الإيطالي إنيو موريكوني..
بإمكانكم البحث عنها والاستماع إليها..
Spasmo soundtrack – Ennio Morricone
أو ربما تستمعون إلى الموسيقى التي شغّلها هو لنا في ندوته بالجامعة:
The Exorcist Theme – 1973
عمتم مساءً.. لا تنسوا أن تبتسموا..