“كوابيس عنترة بن شداد”
أعاتبُ زمنًا لا يلين لعاتب
الشاعر عنترة بن شداد، قصيدة “العتاب”
منذ طفولتي لم أكن مثلهم، وعندما كبرتُ فهمت لماذا.
الروائية ناردين الصباغ، رواية “أبناء الليل”
أنت لست بشريًا، تبدو بشريًا، وتتصرف كأنك بشري، ولكن ما أنت حقًا؟
قائل العبارة: مجهول الهوية
عسى أن يقبض أفعوانٌ على أفعوان، أيتها الأرض، ابتلعي مرة ثانية ما خرج منك.
تعويذة فرعونية قديمة لاتقاء شر الأفعى، أسطورة “بيت الأفاعي”
كان هذا هو أول عيد فطر في مصر بعد افتتاح الوالي عمرو بن العاص لها، ورفع محب رأسه – وهو لا يزال ابن العاشرة – ونظر بافتتان إلى قرص الشمس وهو يتوسط قلب السماء، قبل أن يقول لميريت:
– والآن سوف نرى موكب الفصح الذي سمعنا عنه العجائب…
– أتعْتقد حقًا أن الشاة ستتكلم وتطلب ذبحها كما سمعنا؟
– لا يا حمقاء، تلك إشاعات يقولونها للصغار من أمثالنا. جدي قال لي إن كل قادمٍ لمصر في البدء تحيط به الحكايات والأساطير، كما تحدث القدماء من قبل عن معجزات مثل السير فوق النيران وخلافه…
ثم ابتلع الصغير ريقه واتسعت عيناه بتلك الطريقة التي تحبها ميريت، وأردف:
– جدي حكى لي أيضًا عن الجرجونة التي تُدعى ميدوسا، وكيف أنه عندما أتى الإغريق إلى مصر، تحدث القدماء عن تلك الساحرة ذات الثعابين في رؤوسها…
منعت ميريت الابتسامة من الطفو على شفتيها. حقيقةً، إنها تكبره بأربعة أعوام، لكنها تشعر بالافتتان صوب شغف محب وخياله، الذي أعطاه إيّاه جده البحار المتقاعد بحكاياته التي لا تنتهي.
محب، ابن قيروم، أحد حراس مكتبة الإسكندرية، وميريت تعرفت عليه بحكم الجيرة وافتتانها بحكاياته التي لا تنتهي، وهكذا قضت معه كل غسق قبل أن تذهب مع والدتها إلى البحر لجمع الحصاد، تصغي لحكايات والدتها عن طيبة القديمة، وموسم الفيضان، وجمع الحقل، وصنع الجعة بجوار النيل.

لطالما حدثتها والدتها عن أيام المصريين القدماء، وكانت تقول لها:
– نحن أبناء رع.
فتردد ميريت منبهرة:
– أبناء رع…
تفيق ميريت من أفكارها وهي تنظر إلى محب الذي تنهد بصدره الصغير قبل أن يقول محنقًا:
– حسنًا.
– حسنًا ماذا؟
بكبر، يشيح بوجهه ولا يرد، فتضحك ميريت قبل أن تقول:
– لقد شردتُ قليلًا.
يظل صامتًا جريحًا، فتقترب منه وتقبّل وجنته هامسة:
– آسفة.
يحمرّ وجه محب، ويسود بينهما صمت مرتبك، قبل أن يلتفت وينظر إلى عينيها الزرقاوين. تلك أول مرة يحدث شيء كهذا بينهما، وفي تلك اللحظة رأى محب العالم كله بعين جديدة، وشعر بطاقة الحب أياها تتمكن من كل خلايا جسده.
العالم كله هو ميريت؛ يضحك عندما هي تضحك، يبكي لحزنها، ويرقص لهنائها، الشمس تشرق بإشارة من عينيها، و…
احتضنها بغتة فاختلّ توازنها وسقط الاثنان أرضًا وهما يضحكان.
واقترب منها ليقبّل شفتيها، تلك الشفتين… أسرار ميدوسا والعالم كله بينهما…
أغمضت هي عينيها بانتظار شفتيه…
وبعد أن قبّلها، نظر محب بافتتان إلى قرص الشمس… وبدا له أن الأخيرة تغمز إليه مشجعة، فقبّل ميريت مرة أخرى.
وحدّق في عينيها الساحرتين. لم يُبالِ عندما تحوّلت إلى مسخ وبرزت الثعابين من فروة رأسها. لم يُبالِ بأنه في أحضان ميدوسا وموشك على التحول إلى تمثال من حجر…
قبلة ميدوسا تستحق بعد كل شيء.
