السبت, يناير 18, 2025
Dawen APP
الرئيسيةمقالاتخالد أمين يكتب: مسخ فرانكشتاين.. برومثيوس العصر الحديث

خالد أمين يكتب: مسخ فرانكشتاين.. برومثيوس العصر الحديث

“أردت كتابة رواية تجعل القارئ يرتجف رعبًا، لا يستطيع رفع رأسه، أو الابتعاد بعينيه عن السطور، ويسمع دوي دقات قلبه، رواية تجعله يشعر بأنفاس حارة على مؤخرة عنقه لكنه لا يجرؤ على الالتفات ليرى صاحبها.”

 ماري شيلي، مؤلفة رواية فرانكنشتاين

والآن، إليك ما فعلته في التاسعة عشرة منذ مئتي عام، في ليلة عاصفة وممطرة، داخل قلعة قوطية بينما العاصفة تزأر بالخارج..

من أين نبدأ؟ ماذا عن كسرة ولوعة قلب مسخ فرانكنشتاين بعدما نبذه صانعه، د. فيكتور؟ ذهب المسخ إلى المجتمع آملًا في الأنس، بعدما علّم نفسه القراءة والكتابة، فتعمق في قصائد الشاعر شيلي وقرأ الفردوس المفقود لميلتون. حمل قلبًا نابضًا وروحًا مفعمة بالإنسانية والأمل، لكنه واجه مجتمعًا قاسيًا ومتسلطًا، لم يبالِ بحاله، بل سخر من هيئته واختلافه. بل ورجموه لكونه مختلفًا عنهم.

اللهم إلا رجلًا أعمى، قابله المسخ بلطف قلبه. رأى الرجل المسخ بمشاعره بدلًا من عينيه، وعلمه مرادف كلمة “صديق”. دمعت عينا المسخ وهو يردد: “صديق”. لكن سرعان ما وصل الحطّاب، ابن الأعمى، وطرد المسخ بقسوة.

يبكي المسخ ويعوي من الألم، ثم يقرر الانتقام من صانعه. يتعقب أثره ويريه الأهوال، مرددًا عبارته الشهيرة: “يوجد بداخلي قدر هائل من الحب والغضب، لو لم أشبع الأول، فلسوف أطلق العنان للآخر”. يطلب المسخ من فيكتور أن يصنع له رفيقة، “عروس فرانكنشتاين”، تكون مثله، فلا تنفر منه أو تبغضه. لكن العروس تحرق نفسها بعدما وقعت في حب فيكتور والمسخ على حد سواء.

هنا يقول المسخ، الذي رغم بنيته المروعة وبشاعة مظهره—فهو مصنوع من أجزاء الموتى—يظل طفلًا حديث الولادة لم يبحث سوى عن السلوان. يقول عبارته الشهيرة: “لقد اكتفيت من البشر، سأرتحل إلى القطب الشمالي، حيث لا وجود للبشر.

يطارده د. فيكتور للانتقام على الجرائم التي ارتكبها المسخ بحقه، مثل مقتل أخيه وحبيبته أثناء انتقامه. تنتهي الرواية في مشهد مهيب وسط ثلوج القطب الشمالي، حيث يموت فيكتور، ويحتضن المسخ جثته باكيًا: “والدي… لقد رحل والدي.

صورة لعروس فرانكشتاين، من الفيلم الثلاثيناتي الرائع بنفس العنوان

ويرى المشهد قبطان محموم ومهووس باكتشاف القطب الشمالي، يقود رحلة على متن باخرة يهلك أفراد طاقمها بسبب هوسه. تبدأ الرواية عندما يلتقي القبطان بفيكتور فرانكنشتاين عقب توقف الباخرة أمام جبل ثلجي. يروي فيكتور حكايته للقبطان، عن هوسه الخاص بإيجاد علاج للموت وإعادة الحياة، مستخدمًا أجساد الموتى التي سرقها من المقابر.

تنتهي الرواية بالقبطان الذي تخلى عن هوسه، يدير الدفة مع طاقمه ويقول للمسخ: “عد معنا.” فيرد المسخ، محتضنًا جثة فيكتور: “مكاني هنا معه. لقد رحل والدي.” ثم يضيف الميت الحي: “لم تعد لي حاجة للبشر.”

وكان العنوان الفرعي للرواية: برومثيوس العصر الحديث، نسبة إلى أسطورة برومثيوس الإغريقية، الذي سرق النار والمعرفة وأهداها للبشر، فعاقبه زيوس عقابًا مروعًا: طائر رخ يلتهم كبده يوميًا وهو معلق بالسلاسل فوق صخرة، لينمو كبده من جديد ويعيد الطائر التهامه. (لا تقلق، أنقذه هرقل في إحدى جولاته).

دعوني أختتم المقال بعدة اقتباسات، وأترك لكم اختيار ما يلامس قلوبكم:

“ليحذر من يحارب المسوخ من أن يتحول إلى وحش.

“ولأنك حدقت في الهاوية، فإن الهاوية ستحدق بك.

“سوف تشرق عندما تشرق، لن يمنعها أحد، ونوم العقول يربي وحوشًا.

كتبت ماري شيلي هذه الرواية وهي لا تزال ابنة الثامنة عشرة، لتبدع عملًا يمزج الرعب بالدفء والإنسانية، ويعبر عن العلاقات بين الأب وابنه، والمجتمع ومن يختلفون عنه، وهوس الإنسان والعلماء بصناعة ما قد يدمرهم.

أحم، كتبت ماري روايتها قبل أن يخترع أوبنهايمر القنبلة النووية، وقبل أن يتعرف العالم على الهاتف الخلوي ووسائل التواصل الاجتماعي! كل هذا حدث في ليلة واحدة، بقلعة زوجها الشاعر شيلي، وبحضور الكاتب والشاعر لورد بايرون، في ليلة عاصفة وممطرة.

هكذا ولدت رواية فرانكنشتاين، “برومثيوس العصر الحديث”، منذ مئتي عام مضت..

Khaled Amin
Khaled Amin
خالد أمين: كاتب وروائي مصري مهتم بأدب الرعب والتشويق والجريمة. من مواليد القاهرة عام 1989. يعمل كمحاضر أكاديمي في قطاع الجامعة ومدرب شركات خاصة, اهتم بدراسة الأدب الأمريكي والكتابة السينمائية وأدب الرعب والخيال والجريمة, صدر له رواية "هوس" عام 2012, ورواية "الشبيحة" عام 2013, وسلسلة روايات بعنوان "المجهول إكس" يصدر منها عدة أجزاء سنويًا, كما صدر له رواية "هؤلاء الذين عادوا" عام 2018, ورواية "إنهم يأتون ليلًا" عام 2019, "ليلة ظهور القرين", "زائر منتصف الليل" وتعد رواية "وقريبا سيحل الظلام" هي أحدث أعماله الأدبية.
مقالات ذات صلة
- Advertisment -

الأكثر شهرة

احدث التعليقات