إسراء إبراهيم
لطيفة الزيات واحدة من الكاتبات اللاتي لمع اسمهن في الوسط الأدبي المصري والعربي، بل وتخطت ذلك بترجمة أعمالها بلغات أخرى. اشتهرت بكتابتها النسائية ودعوتها لتحرر المرأة ورصد معانتها الحقيقية دون تجميل أو اختزال أو تهميش.
كانت واحدة من المناضلات بحق في حياتها الشخصية، فكافحت ضد الإنجليز وشاهدت جرائم بحق النساء المشاركات بجوارها في النضال. لم تصمت على الظلم وظل صوتها يعلو منتقدا السياسات غير المناسبة. واعتنقت أفكارها الحرة.
لم تكن داعية لتحرير المرأة فقط، بل كانت باحثة عن حقوق الإنسان بشكل عام، بل وحقوق الوطن وتحريره. ارتبطت سيرتها الأدبية بمسيرة حياتها، فهي امرأة حرة ناضلت بحق، وبحثت عن حقوق الوطن. فأصبح اسمها رمزا للنضال والبحث عن حرية النساء.
“لا أريد أن أموت موتا سلبيا”. هذا ما قالته لطيفة الزيات فى غيبوبتها إثر مرض خطير أصابها وهى شابة. وفي ذكرى ميلادها نحتفل بمئوية الكاتبة التي لم تمت سلبا بل فتحت بابها وباب الحرية أمام الملايين من النساء. وفيما يلي نتعرف على مسيرة حياتها وأبرزها.
فقد في الطفولة ومطاردات أمنية
ولدت لطيفة الزيات في مدينة دمياط بمصر في 8 أغسطس عام 1923. كان والدها يعمل في مجالس البلديات، ولكنه توفي عام 1935، وهي في الثانية عشرة من عمرها.
وفي مذكراتها التي حملت عنوان “أوراق شخصية” الصادرة عن دار الشروق، تقول لطيفة: “تنقلت في حياتي بين عديد من المساكن، وكانت إقامتي تطول فيها لمدد تترواح من بين اليوم الواحد والعديد من السنين، وكان سجن الحضرة مسكني لفترة من فترات حياتي”، حيث كانت المنصورة وأسيوط والقاهرة ومنزلها المحبب إلى قلبها في سيدي بشر بالإسكندرية، جميعها أماكن عاشت فيها، ولكن المنزل القديم ومسكن سيدي بشر هما الساكنان في قلبها، وقالت عنهما: “كان البيت القديم قدري وميراثي وكان بيت سيدي بشر صنعي واختياري”. وأوضحت أن أهم الأسباب التي دفعتها للتنقل كثيرا خلال فترة الأربعينيات هي الأسباب الأمنية والهرب من البوليس، بسبب انتمائها السياسي وزواجها من أحمد شكري سالم، والتي انتهت بسجنهما.
كانت “الزيات” ذات ميولٍ ماركسية منذ أن كانت طالبةً في جامعة القاهرة. وحررت بابا أسبوعيا في شؤون المرأة في مجلة “حواء” في الفترة من 1965 الى 1968. واحتفظت برؤيتها كمناضلة مصرية وليس مجرد أنثى حتى في فترات خطبتها وزواجها. وتعلقت بالماركسية وهي طالبة بكلية الآداب جامعة فؤاد الأول وعلى حد قولها: “كان تعلقي بالماركسية انفعاليا عاطفيا”.
تفوق دراسي ونضال سياسي في الجامعة
تلقت تعليمها بالمدارس المصرية، ثم حصلت على درجة الليسانس في اللغة الإنجليزية وآدابها بجامعة فؤاد الأول (القاهرة حالياً) في عام 1946. انتُخبت عام 1946 وهي طالبة، أميناً عاماً للجنة الوطنية للطلبة والعمال، التي شاركت في حركة الشعب المصري ضد الاحتلال البريطاني.
حصلت على دكتوراه في الأدب من كلية الآداب بجامعة القاهرة عام 1957. درّست في كلية البنات جامعة عين شمس منذ 1952 إلى أن وصلت إلى درجة أستاذ في النقد الإنجليزي سنة 1972.
شغلت رئاسة قسم اللغة الإنجليزية وآدابها بالكلية نفسها لدورات متعددة. ظلت تمارس مهامها في التدريس والإشراف العلمي بالكلية حتى وفاتها عام 1996. رأست قسم النقد بمعهد الفنون المسرحية، وعملت مديرا لأكاديمية الفنون.
اختلافات أيدولوجية مع أزواجها
رغم اعتناقها الماركسية، كان أول مشروع زواج لها مع عبد الحميد عبد الغني الذي اشتهر باسم “عبد الحميد الكاتب”. ولم يكن ماركسيا بل كان يمضي جزءا كبيرا من نهاره وليله في أحد المساجد، ويحفظ التاريخ الإسلامي بدرجة جيدة. وتم خطبة الثنائي، لكن لم ينتهِ مشروع الخطوبة بالزواج.
وأثرت لطيفة الزيات على “عبد الحميد الكاتب”، وقد سجل هو بنفسه هذه الانفعالات في مقال في الصفحة الأخيرة من جريدة (أخبار اليوم) تحت عنوان (خاتم الخطوبة).
دخلت تجربة أخرى كُللت بالزواج مع أحمد شكري سالم، الدكتور في العلوم، وهو أول شيوعي يحكم عليه بالسجن سبع سنوات، وتم اعتقال أحمد ولطيفة عام 1949 تحت ذمة القضية الشيوعية. وانفصلا بالطلاق بعد الحكم على “شكري” وخروجها من القضية.
وتزوجت من الدكتور رشاد رشدي، الذي كان متناقضا معها فكريا إذ كان يميني المنشأ والفكر والسلوك. وقالت لمعارضي هذا الزواج: “إنه أول رجل يوقظ الأنثى فيّ”.
مناضلة من أجل النساء والوطن
اٌعتقلت لطيفة الزيات عدة مرات، وكما عُرفت بنضالها ودفاعها عن المرأة وحقوقها، عُرفت أيضا بنضالها الوطني وبحثها عن الحرية في الاتجاهين.
كان اعتقالها لأول مرة عام 1949 مع زوجها أحمد شكري سالم، تحت ذمة القضية الشيوعية. وحُكم على “شكري” بالسجن لمدة سبع سنوات، بينما وّعت هي في سجن الحضرة بالإسكندرية وخرجت منه بعد عدة أشهر، وكانت وقتها نحو 26 عاما من عمرها.
وفي سبتمبر عام 1981 وكانت “الزيات” تقترب من الستين من عمرها، أُودعت سجن القناطر، ضمن حملة واسعة أطلقها الرئيس السادات، ليحمي معاهدة كامب ديفيد مع الإسرائيلين من المثقفين والسياسيين الذين رفضوا التطبيع مع الكيان الصهيوني.
تحت عنوان “من كتاب بعنوان في سجن النساء“، تحكي “الزيات” تجربتها في الحبس الانفرادي التي دامت شهورا على ذمة التحقيق في سجن الحضرة بالإسكندرية، ويعرض نماذج من السجينات العاديات اللاتي التقت بهن، واختارت الفصل الأخير من هذا الكتاب لتحكي عنه في مذكراتها وهو بعنوان “صديقاتي”، وكانت قد فرغت من كتابته عام 1950، في أعقاب الإفراج عنها يوليو 1949، بحكم مع إيقاف التنفيذ بتهمة الانضمام وآخرين إلى تنظيم شيوعي.
لماذا أصبح “الباب المفتوح” أشهر أعمالها؟
نشرت أول عمل روائي لها في عام 1960 بعنوان “الباب المفتوح”. وجاءت من بين أفضل 100 رواية عربية، أعلن عنها الاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب، بعد استفتاء قام به على مستوى الوطن العربي، شارك فيه كبار الأدباء والنقاد العرب، لاختيار أفضل مائة 100 رواية في القرن المنقضي.
حُولت إلى فيلم عام 1963 من إخراج هنري بركات وبطولة فاتن حمامة وصالح سليم وحسن يوسف ومحمود مرسي. وفاز بجائزة أفضل فيلم في مهرجان جاكرتا السينمائي وصدرت لها ترجمة باللغة الإنجليزية.
تدور الرواية حول ليلى الفتاة الذكية، التي تعيش في مجتمع تقليدي لا ينتظر من المرأة إلا الخنوع والطاعة، لكنها تناضل من أجل أن تحصل على حريتها كإنسانة.
تحاول ليلى الانخراط في العمل الوطني من أجل أن تحرر بلادها. وخلال رحلتها للبحث عن الذات تقع في حب حقيقي تقف عثرات المجتمع أمام حبهما وترتبط برجل آخر مليء بالتناقضات. وترى ليلى من خلاله كيف أن تلك الحياة لا تناسبها.
يرى النقاد أن رواية “الباب المفتوح” تعتبر واحدة من نقط التحول في تاريخ الرواية العربية. إذ أنها تعاملت مع المرأة في راويتها على أنها بطلة وتحرك مجريات الأمور، وأخرجتها من الهامش. وصدرت للمجتمع صورة المرأة التي تسعى وتبحث عن التحرر. وفتحت بذلك الباب أمام الكاتبات للتعبير بواقعية عن قصص النساء وواقعهن في المجتمع المصري خاصة والمجتمع العربي عامة.
الاحتفاء بذكراها
احتفى محرك البحث جوجل بذكرى ميلادها الـ92 على مستوى العالم العربي في 8 أغسطس 2015. واستخدم محرك البحث صورة للراحلة في شبابها، وهي ممسكة بورقة مكتوبة عليها “ليلى” وهو اسم بطلة أشهر روايتها “الباب المفتوح”.
واحتفالا بمرور 100 عام على ذكرى ميلادها التي توافق أغسطس 2023، نظم معرض القاهرة الدولي للكتاب في دورته الـ54 -التي انعقدت يناير الماضي- ندوة احتفاءً بمئوية ميلاد لطيفة الزيات ضمن ندوات الصالون الثقافي.
المناصب
كانت عضو مجلس السلام العالمي، وعضو شرف اتحاد الكتاب الفلسطيني، وعضو بالمجلس الأعلى للآداب والفنون، وعضو لجان جوائز الدولة التشجيعية في مجال القصة، ولجنة القصة القصيرة والرواية. كما أنها كانت عضوا منتخبا في أول مجلس لاتحاد الكتاب المصريين، ورئيس للجنة الدفاع عن القضايا القومية 1979، ومثلت مصر في العديد من المؤتمرات العالمية.
أشرفت على إصدار وتحرير الملحق الأدبي لمجلة (الطليعة)، كما تابعت الإنتاج الأدبي بالنقد الأدبي، في برنامج إذاعي من 1960 إلى 1972. نشر لها العديد من المؤلفات الأكاديمية، والترجمات، كما صدر لها مؤلفات إبداعية إضافة إلى العديد من الأبحاث، في النقد الأدبي الإنجليزي والأمريكي.
وفاتها
رحلت لطيفة الزيات عن عالمنا في 11 سبتمبر عام 1996، بعمر ناهز 73 عاما إثر معاناتها مع مرض السرطان.