الجمعة, نوفمبر 22, 2024
Dawen APP
الرئيسيةمقالات"لعبة البيت".. الكتابة من أجل الخلاص!

“لعبة البيت”.. الكتابة من أجل الخلاص!

محمود عماد نقلا عن الشروق

الكتابة دائمًا ما تكون فعل تحرر، فعلًا يعبر عن الحرية الكاملة، الكتابة في أوقات كثيرة تدفع للتحرر وتدمير كل القيود السلطوية بمختلف أشكالها وأنواعها، تمارس الكتابة كفكرة تأريخ لسيرة الشخصية، للحياة، للأماكن، تأريخ للكتابة نفسها. الكتابة هي فعل الخلاص، وربما في أوقات أخرى تكون فعل دمار، لكنها تبقى نظرة ورؤية العالم بعيون من كتبها. كل ذلك نجده في رواية «لعبة البيت» للكاتبة والروائية إيمان جبل، والصادرة عام 2023 عن دار دون، الرواية التي وصلت أيضًا إلى القائمة الطويلة لجائزة غسان كنفاني للرواية في نفس العام.

تبدأ الرواية بذلك الصوت السردي لماتيلد التي تعيش مع عمتها بنت عمتها البارة التي تستيقظ في يوم لترى نفسها مسجونة من قبل عمتها في سجن سري، سجن لا تعلم ولا نعلم معها في البداية أين هو. سجن مصمم بشكل فني مميز، والخروج من هذا السجن مرتبط بكتابة رواية لماتيلد، الكاتبة بالفعل التي كتبت ونشرت من قبل، وتريد عمتها كتابة رواية كاملة في خمسة أيام في هذا السجن، وإلا فلا يوجد منفذ للهروب. تقترح ماتيلد على عمتها أن تكتبا رواية مشتركة، وبعد تفكير لا يستغرق الكثير، تقرر العمة ليلى أن تكتب هي روايتها وتدونها ماتيلد، رواية وحكاية هذا البيت السجن الكبير، ورواية وحكاية ليلى عمة ماتيلد وكل عائلتها في عيونها.

للقراءة| 5 معلومات عن رواية “لعبة البيت” لـ إيمان جبل

تبدأ ليلى في إملاء الرواية على ماتيلد، رغم الحائط الذي يفصل بينهما، وهنا يبدأ الصوت السردي لليلى في السيطرة على الحكي والوصف والسرد، ويأخذ السلطة حتى النهاية. هنا تبدأ الرواية الحقيقية أو الرواية داخل الرواية الأصلية، تبدأ ليلى منذ البداية تمامًا، مشكلتها الأولى، تلك العقدة النفسية التي ستسيطر عليها طوال حياتها، طوال روايتها. تبدأ من عيد ميلادها العاشر، الذي يحبسها فيه أبوها بدلًا من أن يحتفل به معها، يحبسها في سجن ماتيلد نفسه، السجن الفني الذي يتضح أنه سجن صغير، جزءًا من السجن الأكبر، من البيت. ونرى أيضًا عدم معارضة الأم لذلك تمامًا، ومقارنة الأب بين الأخوين، بين ليلى وأخيها. ويرتبط الأمر هنا بذلك التشريح النفسي للعلاقة بين أفراد الأسرة الواحدة، بين الأب، الأم، الأخ، والأخت. العلاقة بين ليلى وأبيها كانت متشعبة ومتغيرة، ورأى فيها أبوها رمزًا يعاقب به أمها، وفضل عليها أخاها العبقري الذي اكتشف موهبته في الكتابة، أما أمها فهي العقدة الأزلية لليلى، وهي التمثيل الأمثل لفكرة السلطة الأبوية. لكن فرع الأم هو أنها وضعت كرهها لزوجها في ليلى وفي حياتها، وفي علاقة الأم بابنتها، التي لم تكن كذلك في أي لحظة من حياة ليلى، بل كانت علاقة سيطرة على روح ليلى عن طريق أمها التي ألبست ليلى كل العقد النفسية. وتلك العلاقة هي البنية النفسية لشخصية ليلى طوال الرواية، فهي المتحكمة بها لعدم تقبل ليلى لفكرة أن تصبح علاقتها مع أمها علاقة البنت بأمها.

نرى أيضًا تلك العلاقة العجيبة التي تربطها بأخيها مراد، الذي تحبه رغم كل شيء، رغم أذيته لها، ورغم تفضيله عليها، ورغم كرهها له الذي تحاول أن تظهره له. هو شخصية أشبه بالإله، إله صنع أسطورته بنفسه، وضحى بكل شيء من أجل كتابته. نسي أمه وأباه، وضحى بزوجته وابنته فقط من أجل أن يكرس ألوهيته من أجل نجاحه. تخلى عن كل شيء وارتبط فقط بالكتابة ليصنع أسطورة كتابية مؤلهة.

نرى ذلك الإحياء الذي حدث لليلى بقدوم سارا، زوجة أخيها التي تملك روحًا تأخذ منها ليلى الحياة. وهنا تأكيد على فكرة احتياج الإنسان لشخص يأخذ منه الحياة رغم كل ما يبديه من ضياع في عزلته ورفضه تلك الحياة.

علاقة الحب التي عاشتها ليلى مع عاصم الكاتب أيضًا، والذي يصبح مشهورًا مع الوقت وكاتبًا مميزًا مثل معظم الشخصيات الرئيسية التي تمارس فعل الكتابة وتتمحور حياتهم جميعًا حول الكتابة. شخصية عاصم هي شخصية ملائكية، تحب ليلى بكل ما فيها من عقد أو مشاكل، يبقى قلبه مشتعلاً بحبها رغم فتورها معه، يحبها على الرغم من كل ما يراه. ولكن مشكلته أنه أتى بعدما كثرت الجروح في قلب ليلى وأصبحت غائرة، وربما هذا ما أخذ قصة حبهم إلى فكرة حب مستحيل.

العلاقة الأخيرة هي علاقة ليلى بابنة أخيها ماتيلد، والتي ربتها منذ كانت طفلة على هيئة ابنتها، ولكن ذلك لم يمنع ماتيلد من أن تكون مثل أبيها الذي لا تعرفه، أو مثل جدها وجدتها، وتساهم في أذية ليلى بشكل أو بآخر حتى تصل لتدون رواية ليلى.

العلاقة الأهم والمحورية، والتي قامت عليها الرواية بأكملها، هي علاقة ليلى بالبيت، ذلك السجن الكبير، وتلك الهوية المدفونة، المقيد لأحلام ليلى. هو يأسرها بداخله حتى عندما تريد الهرب، هو سجنها الأبدي، والذي إن تحررت منه، تحررت من كل شيء. هنالك أيضًا فكرة الكتابة. فنجد أن نص «لعبة البيت» هو نص واعٍ بذاته وبه نص آخر هو يوميات ليلى التي شكلت رواية ليلى أو رواية «لعبة البيت». وهذا يعكس قدراً كبيراً من التجريب. وكل ذلك عبرت عنه لغة شاعرية تغطت في معظم محطات النص لتصنع عالمًا خياليًا من قلب الواقع تعبر الكتابة عنه كطريقة للخلاص.

مقالات ذات صلة
- Advertisment -

الأكثر شهرة

احدث التعليقات