الإثنين, ديسمبر 23, 2024
Dawen APP
الرئيسيةمقالاتمحمد عبد العال الخطيب يكتب: نجيب محفوظ رجل محلى الصنع عالمي الإبداع

محمد عبد العال الخطيب يكتب: نجيب محفوظ رجل محلى الصنع عالمي الإبداع

مثل أي سكندري يهوى القراءة، كان ملجأنا أو موطننا واحدًا وهو شارع النبي دانيال، الشارع الذي يربط محطة مصر أو ميدان محطة السكة الحديد الرئيسية بالإسكندرية بمنطقة محطة الرمل وشارع سعد زغلول. تتراص الكتب من مختلف صنوف الأدب على جانبيه بأسعار زهيدة. كان أحد هذه الكتب التي وجدتها في صغري رواية “السمان والخريف” لنجيب محفوظ.

هالني طريقته في تصوير فترة من تاريخ مصر، وهي ثورة يوليو 1952، والنتائج الاجتماعية المختلفة التي ترتبت عليها على طبقات المجتمع المختلفة. بعد بضعة أيام، عُرض فيلم يحمل ذات الاسم من بطولة محمود مرسي ونادية لطفي وإخراج حسام الدين مصطفى، وكأن الفيلم تذكرة لي بتلك الرواية البديعة التي قرأتها. كان هذا هو اللقاء الأول بيننا.

مرت السنين والأيام، وبدأ شغفي بالكتابة في أحداث مشابهة وثورة جديدة في تاريخ مصر، ثورة يناير 2011. فبعد تلك الثورة وعند إعداد دستور مصر عام 2014، كان على الهيئات القضائية أن تضع تصورًا لاختصاصاتها. وكان أهم ما يميز الهيئة القضائية التي انتميت إليها هو تاريخها العريق الذي بدأ في عام 1875. لذا، شعرت أن هناك التزامًا أدبيًا بأن أوثق تاريخ تلك الهيئة القضائية العريقة. اقتضى ذلك الاطلاع على الفترة الزمنية التي أُنشئت فيها عام 1875 على يد الخديوي إسماعيل، فكان عليّ الرجوع إلى الكتب والمصادر التاريخية.

للقراءة| عصام الزيات يكتب: نجيب محفوظ استخلاص الإبداع من الملل المنظم لا الشغف الفوضوي

تنقلت بعد ذلك في تاريخ مصر -رويدًا رويدًا – حتى وصلت إلى مشهد ثورة 1952، لأعود إلى ذات المشهد الذي بدأ عنده شغفي بقراءة كتابات نجيب محفوظ. وكان مما اطلعت عليه تفنيدًا وبحثًا عن الصورة الاجتماعية والمشهد الإنساني للأحداث التاريخية التي أواجهها هي الروايات. فكان اللقاء الثاني مع روايات نجيب محفوظ، وأعود مرة أخرى إلى تلك الرواية وغيرها من إبداعاته، التي حملت تصويرًا للمجتمع وعلاقاته المتشابكة بصورة مفعمة بالرمزية. رجل قادر على تصوير المجتمع المصري بأدق تفاصيله. أبدع في تصوير تفاصيل الحارة المصرية فبلغ العالمية من باب المحلية. قدرة فائقة على وصف العلاقات الاجتماعية بملامح دقيقة لشخصياتها، مظفرة بالأحداث التاريخية التي تمر بها البلاد؛ لذا فهي إطلالة هامة على تاريخ الأمة -على الأقل- من الناحية الإنسانية المعاصرة لأحداث في غاية الأهمية من تاريخ مصر، صورتها السينما المصرية، فحقق بذلك غاية القبول الشعبي لدى الجماهير.

إلا أن لقائي الثاني هذا مع نجيب محفوظ لم يكن أبدًا اعتياديًا؛ فلقد اكتشفت أن هناك صلة مصاهرة تجمعنا. بالفعل، فهذا الرجل الذي كان يعشق الإسكندرية وكتب عن ميرامار، البنسيون الذي يطل على كورنيش الإسكندرية بمحطة الرمل ويجمع العديد من الشخصيات المختلفة بالمجتمع المصري، كان مجاورًا لمنزل شقيقة زوجته -رحمة الله عليها- والتي كانت هي جدة زوجتي. بناية بمحطة الرمل جزء منها فندق والجزء الآخر سكني، تطل على القنصلية الإيطالية، حتى أن موظفي القنصلية كانوا يلاطفون أطفال البناية من خلال نوافذها المطلة عليهم. أعتقد أن حياة نجيب محفوظ بها العديد من الأبواب المغلقة التي لم تُفتح حتى الآن، رجل محلي الصنع عالمي الإبداع.

محمد عبد العال الخطيب
محمد عبد العال الخطيب
كاتب مصري, من مواليد الأسكندرية عام 1974، يشغل منصب نائب رئيس هيئة قضايا الدولة وعضو إتحاد كتاب مصر شعبة الرواية، صدرت له عدة روايات منها “البهلوان”، “أخطر الرجال” و “تحت الحصار”, "الأخدود", "أرض بلا ظل" وعدة كتب تاريخية منها “قضايا الدولة عبر التاريخ”، “عصر النخبة”، و “قناة السويس من المهد حتى التحرير”. وتعتبر "وأحترقت أوراق القضية" أحدث رواياته الصادرة عن دار دوّن.
مقالات ذات صلة
- Advertisment -

الأكثر شهرة

احدث التعليقات