في عام 1931 أثناء معاناة الاقتصاد المصري من انخفاض أسعار القطن كانت مصر في حاجة ماسة لإنشاء صناعات وطنية، نادى أحمد حسين الطالب الحقوقي رئيس جمعية مصر الفتاة، لتي أصبحت فيما بعد حزب مصر الاشتراكي- نادى بمشروع القرش الذي يعتمد على التبرعات؛ فطالب المصريين بالتبرع ولو بقرش صاغ؛ لإنشاء مصنع الفقراء، وبالفعل نجحت الفكرة، وبلغت حصيلة التبرعات سبعة عشر ألف جنيها، وفي العام الثاني بلغت ثلاثة عشرة ألف جنيها فأنشئ مصنع الطرابيش بحي العباسية.
ثُمَّ في عام 1939 نادى أحمد حسين بإحياء الخلافة الإسلامية في شخص الملك فاروق، ليتحول هذا الحزب إلى الحزب الوطني القومي الإسلامي في عام 1940، في محاولة لجذب الشباب الذين تأثروا بحركة الإخوان المسلمين. وبعد الحرب العالمية الثانية وتفشي البطالة وتدني الأجور غيَّر أحمد حسين اسم الحزب إلى حزب مصر الاشتراكي؛ ليطالب بالعدالة الاجتماعية وتحديد الملكية الزراعية، وما هي كما يصفها الدكتور على شلبي في كتابه ” أحمد حسين.. تحولات ثائر” إلا تحولات لثائر مصري.
هذا الرجل كان المتهم الأول في أهم الأحداث التي مرت بمصر، ولا يزال لغزًا محيرًا حتى الآن ـ حريق القاهرة ـ وُجِّهت عشرة اتهامات لأحمد حسين تدور جميعها حول وضع النار عمدًا في محال شهيرة مثل جروبي، والأمريكيين، وسينما ريفولي، مكتبة ستانفورد، الشركة البريطانية للسيارات هلمان، بنك باركليز، واستند قرار الاتهام إلى أن أحمد حسين استخدم دعاية مثيرة لتقليب الرأي العام عن طريق جريدة مصر الفتاة، والشعب الجديد – لسان حال الاشتراكية- ومنها على سبيل المثال: مقال “رعاياك يا مولانا”، ومقالات تطالب بمقاطعة سينما ريفولي وبنك باركليز. وهي وقائع أشار إليها تفصيلا الكاتب جمال الشرقاوي في كتابه “قرار اتهام جديد”.
وقد أُغلق الملف بعد العفو عن جميع المعتقلين السياسيين إبان ثورة 23 يوليو عام 1952، على الرغم من أن هذا الحريق جريمة جنائية من الطراز الفريد فإن المحاكمة الجنائية لم تكتمل بصدور القانون رقم 241 لسنة 1952 بالعفو الشامل عن الجرائم التي وقعت في المدة ما بين 26 أغسطس عام 1936 وحتى 23 يوليه عام 1952، واختلفت الآراء حول صاحب المصلحة الرئيسة في حريق القاهرة، بين الإنجليز، والملك، والإخوان المسلمين والأمريكان، وأيًا ما كان الأمر، فقد انتهى مشروع القرش، واختلف الرأي حول صاحبه، ولكن الحقيقة التي لا اختلاف عليها هي أن الوطن هو الضحية في نهاية الأمر.
ولعل حادثة وفاة السائح الروسي بين فكي القرش وظهور القرش القاتل في بعض الآراء بمظهر مدمر السياحة المصرية، وفي آراء أخرى بمظهر المختل جينيًا بسبب إلقاء بعض المحفزات، وظهر ذلك في محاولة تعذيبه بعد إلقاء القبض عليه! وقد تعددت أدلة الاتهام التي وُجهت له، بعد أن اقترب القرش المتهم من منطقة ضحلة! وبُعده عن تجمعات رفاقه من القروش، من دون سبب! إلا إن الحقيقة هي أنه كان هو الآخر مجرد سائح للمياه المصرية.
مات القرش ولم يحاكم، ومات صاحب مشروع القرش ولم تكتمل محاكمته، وسيظل أمر القرش وصاحب المشروع لغزًا كأمور عديدة في تاريخ المصريين، يجمع بينها أمرٌ واحدٌ، أن الوطن دائمًا هو الضحية.