الأحد, فبراير 23, 2025
Dawen APP
الرئيسيةريفيوهات"الأرض التي ملكت قلبي".. عندما يُحفر المجد بعرق المظلومين

“الأرض التي ملكت قلبي”.. عندما يُحفر المجد بعرق المظلومين

نوران محمود

رواية “الأرض التي ملكت قلبي” الصادرة عن دار دوّن للنشر والتوزيع للكاتب محمد المشد، تاريخية إنسانية تتناول أحداث فترة زمنية يغفل عنها الكثيرون، رغم ما نتج عنها، وهو أحد أهم المعالم المصرية بل والعالمية في تاريخنا اليوم. نعم، نحن أمام رواية تتحدث عن سنوات حفر قناة السويس.

في كل حضارة، يترك السابقون إرثًا يحتفي به أولئك اللاحقون، خاصة وإن كان أثرًا خالدًا. لكن ماذا لو كان هذا الأثر على عظمته يحمل بين طياته السطور الأسوأ في حق الإنسانية؟ لو كان ذاك الأثر اعترافًا بأن الجمال فوق البشر، وأن للإبداع صوتًا قد يُنسج في نعومة من صرخات أتت من لجِّ الظلام؟

تناولت الرواية الفترة الزمنية من النواحي الاجتماعية والتاريخية بشكل سلسٍ ومشوق، فقد أتقن الكاتب مزج شخوص تلك الحقبة في شخصيات فريدة نابضة بالحياة، بحيث يبعد الأمر كل البعد عن رتابة حصص التاريخ.

“موسى” ذاك البطل الذي تحمل الظلم طويلًا، منتظرًا أن يرى النور في آخر النفق، لكن الحياة أعطته أغلى دروسها بأقسى الطرق حين فقد أعز الناس لديه، وهو أن أولئك الذين ينتظرون لا ينالون شيئًا.

رواية الأرض التي ملكت قلبي لـ محمد المشد

راقني رسم الشخصيات في الرواية، بالأخص شخصية سالم وموسى وڤيوليت، فرغم الاختلافات بينهم، جمعهم شأن واحد، وهو الحق الذي يبحثون عنه كلٌّ بطريقته. كما تأثرتُ بالرحلة التي خاضتها ڤيوليت، وقد بدت لي أشبه بشبابنا اليوم في رحلتهم المرهقة للبحث عن الحقيقة وسط تيارات الزيف والتزوير. رحلة خاضتها بقلبها قبل عقلها، باحثة عن الحق الذي نشدته، حتى لما كُشف لها، لم تتهرب منه، وإنما استمرت في اتباع قلبها الصادق، حتى وإن عنى ذلك لها أن تعترف بأنها قضت عمرها كله تسير في الطريق الخاطئ.

من ضمن التفاصيل التي لفتت انتباهي كذلك في الرواية، تسليط الضوء على طرق الشباب في كل زمان على تبيُّن الحقائق وقت الأزمات، كما حدث في لقاء الرفاق سالم وموسى وخليل وأحمد في بداية الرواية، بحيث ملك كلٌّ منهم وجهة نظر تنبئ بالتيه الذي يتعرض له الجميع وقت الفرقة. كذلك، بين الكاتب دور الجهل المنتشر وقتها في رؤية الناس لكل شيء، وكيف أن أول الطريق لاستعباد الناس يكون من خلال إطفاء العقول في كل الطبقات، فكما قال “موسى”: “رحل المدفع، وبقيت المطبعة”. فلا سبيل لتستعبد شعبًا سوى بأن يحل ظلام الجهل والتزييف فيه.

الرواية آسرة، تمكنت من اختطافي لعدة ساعات إلى عصر جميل ومغامرة مشحونة بالتشويق والانفعالات، وإن كان أربكني قليلًا تنقل الكاتب في المشهد الواحد بين السرد الذاتي والسرد العليم، ورغم ذلك فقد أظهر الكاتب براعة في كلا الأسلوبين، سواء بملكه هو زمام القلم وسرده للأحداث، أو بإخلاء الساحة لشخصياته، خالقًا جوًا فيه المزيد من المتعة.

“الأرض التي ملكت قلبي” ليست مجرد رواية عن أرض ملكت قلوبنا جميعًا، بل هي النداء للبحث عن الحقيقة مهما تكبدنا من عناء، ولمقاومة كل سبل العبودية، ما ظهر منها وما خفي، فليس هناك سبيل لأن تكون إنسانًا سوى أن تكون حرًا.

مقالات ذات صلة
- Advertisment -

الأكثر شهرة

احدث التعليقات