انتهيت من قراءة ممتعة لرواية الكاتب د. عصام الزيات “الاختباء في عجلة هامستر”، والصادرة عن دار دوّن للنشر والتوزيع. الحقيقة أنه من شدة ترابط الأحداث وسردها بطريقة جذابة، أظن أنك تستطيع إكمالها في جلسة واحدة، ولكن أخذت مني الرواية ثلاث أيام متقطعة.
فقد بدأتها داخل القطار في محطة كفر الزيات ثم طنطا متجها إلى القاهرة ثم انتصفت الرواية في اليوم الثاني في حي السيدة زينب ثم أنهيتها داخل جدران العاصمة الإدارية الجديدة، أثناء إنهاء بعض الإجراءات الخاصة بنقلي إلى مستشفى العباسية للعمل كطبيب نفسي.
إذا كنت متفاجئا الآن من هذه الصدف العجيبة، فسوف تجد ما هو أكثر غرابة داخل الرواية. أكثر ما لفت انتباهي في الرواية هو تقاطع مصائر أبطالها وكذلك تقاطعي أنا معهم في أكثر من شيء، أولهم كطبيب نفسي، ثم مشاركتي لهم لبعض أماكن وقوع أحداث الرواية.
للقراءة| رواية “الكلب الذي رأى قوس قزح”.. رحلة السيد والصعود إلى الهاوية!
الرواية تبدأ من حيث انتهت، بداية مشوقة جدا. تبدو في البداية بأنها متوقعة تماما، خصوصا إذا كان بطلها طبيب نفسي وهو (د.عمران) الآخر هو (عجايبي) الذي توالت عليه الصدمات. أكاد أجزم أن أغلب مرضانا النفسيين بالمستشفى يملكون قصة تشبه قصة عجايبي. إذن فنحن أمام رواية نفسية من الدرجة الأولى، تسائلت “يا ترى هتشخصه إيه يا عصام؟” لكن صديقنا د. عصام كان أكثر ذكاء وحنكة ونسج من خياله مسار آخر مختلف أكثر واقعية وأشد تعقيدا، فلن تستطيع توقع الأحداث ما دمت في حضرة الدكتور عصام.
الحقيقة أن عصام لن يتركك لتخمن أي شيء في الرواية حتى لا يشتتك، فهو يهيئ القارئ ليكون بكامل تركيزه أثناء تلقي الضربة القاضية. فقد شرح لنا سبب تسمية أبطال القصة الدكتور عمران وعجايبي وإنچي بهذه الأسماء، لم يتوقف عند هذا فقط فقد شرح لنا سر تسمية الرواية بهذا الاسم العبقري “الاختباء في عجلة هامستر”، حين تعرف سر هذا التشبيه سوف تشك في حياتك أنت شخصيا بالكامل خصوصا إذا كنت تعمل كطبيب!
ناقش عصام قضايا وأمراض مجتمعية في غاية الأهمية تمس مجتمعنا الحديث، ملاحظا أدق التفاصيل وكأنه أستغل في ذلك قدرته على الملاحظة المطلوبة منه في تخصصه كطبيب (كلينكال باثولوچي)، فقد تطرق إلى بناء الأسرة والعلاقات بين أفرادها وكيف للظروف الاقتصادية والطموحات الشخصية العالية أن تعصف ببيوت كاملة.

كذلك تطرق إلى وسائل التواصل الاجتماعي واستخدام الإنترنت ولن أطيل في هذه النقطة تحديدا، ولكني لم أجلس يوما في عيادة الطب النفسي للشباب المراهقين أو الأطفال وإلا ووجدت نفسي أصب لعناتي على اليوم الذي اخترعوا فيه الموبايل والإنترنت لما يسببه من كوارث داخل مجتمعنا، ولكننا نسير جميعا مغمضين أعيننا وكأننا جميعا كمجتمع قد اتفقنا ضمنيا على ترك هذا السرطان يعبث بنا وبأبنائنا!
تناول عصام أيضا موضوع أصيل في ممارسة الطب النفسي وهو فكرة الطرح والطرح المعاكس (transference and counter transference)، كيف للمعالج النفسي وللمريض أن يحملوا أفكار ومشاعر طيبة كانت أو سيئة تجاه بعضهم البعض، وكيف لهذا أن يؤثر على سير العملية العلاجية. فما يقوله لنا أستاذنا أنه شر لا بد منه ويكفي فقط ملاحظته بشكل واعي كي توظفه لصالح المريض وليس بشكل معطل في العملية العلاجية.
لا بد أن أشيد أيضا بقدرة عصام على الوصف لكل التفاصيل فقد شعرت أنني زرت قرية عزبة جهنم ومشيت في شوارعهم وعرفت تقاليدهم وعملت في مستشفى آمون التخصصي. كما أنني رسمت صورة لعمران وعجايبي وإنچي في خيالي أظن أنها أقرب للواقع.
في الختام انتهيت من الرواية وظللت شاردا أفكر حتى نبهني أحد أصدقائي، كنت أفكر كيف أحمل مشاعر لعمران ولعجايبي كأنهم طرفي الصراع فقط وكأنني أتغافل عن دور إنچي. كيف يمكن لغرائز الإنسان أن تعبث به؟ وكيف لحدث صغير أن يغير مجرى حياة الإنسان؟ هل بداخل كل منا شيطان لم يستيقظ بعد؟ كيف للقيم الحقيقية وليست المصطنعة أن تثبت في وجه العاصفة؟ وكيف يمكن للإنسان أن يوهم عقله بأنه على حق أم أن عقلنا الماكر هو الذي يعبث بنا؟
انتهيت من الرواية لكنني لم أنتهِ من صراعي مع نفسي الذي خلقته بداخلي تلك الرواية. أشكرك يا عصام على هذه الجرعة الإنسانية التي أيقظت بداخلي الكثير.