الجمعة, نوفمبر 22, 2024
Dawen APP
الرئيسيةريفيوهات"الكلب الذي رأى قوس قزح".. ماذا لو وهبك القدر أكثر مما كنت...

“الكلب الذي رأى قوس قزح”.. ماذا لو وهبك القدر أكثر مما كنت تتوقع؟

فداء الرسول

لا شيء يعبث بالمرء بعد فواجع القدر إلا الذكرى، أحيانا نتهرب بالكُلية من ماضينا، ننفر منه، من شدة وقع أحداثه علينا، وإذ أن الحاضر بالطبع هو امتداد للماضي والقادم ما دام الإنسان يحيا، فإن هذه الحياة يُمكننا أن ننغمس فيها بالكُلية، أو نُنهيها وقتما نُريد، أو حتى نختار العيش على حدودها الآمنة مُهمشين غير مرئيين، الأمر متروك لنا.

مشهد البداية في رواية “الكلب الذي رأى قوس قزح” -الصادرة عن دار دوِّن للنشر والتوزيع- للكاتب عصام الزيات، درامي صميم، هرج ومرج لحدث جلل ومشهد مُرعب يحدث بوتيرة عبثية، الجميع يهرول في كل اتجاه من الصدمة، يحاولون إنقاذ أرواح كُتب مُسبقا في ألواح القدر موعد موتها وكيفيته، وفي خضمّ كل ذلك يسير السيد بمنتهى التؤدة والأناة، لا يأبه بأيّ مما يدور حوله، ليس لأنه نجا من أشباح الموت التي تُظلل المستشفى وتحوم حولها، لكن لأن كل الأشياء بالنسبة إليه أصبحت سواء، أوجعه الموت مرات سابقة، لكنه الآن ينتظره، يتمناه، لا يهابُه.

للقراءة| في ذكرى ميلاده.. كيف أثر فينا نبيل فاروق؟

كانت حياة السيّد تسير بعادية شديدة، شاب ريفي مُتعلم، وأنظار سُكان القُرى مُنذ زمن كانت تنظر باختلاف إلى صاحب العلم وتُعطية الأهمية المناسبة له والتبجيل الذي يستحقه، كان السيّد يوازن في حياته بين ما يعيشه وما يطمح إليه، كل الشباب يريدون الثراء، مُتهيؤون له ومُتربصون للفرصة التي ستغير شكل حياتهم.

وفي إحدى المرات أتته الفرصة على هيئة معلومة عن مشروع استثماري كبير يُجرى الإعداد له وأن أسعار الأراضي في منطقة المشروع ستكون أضعاف ما هي عليه الآن، لم يتردد وفي اللحظة التي سمع فيها المعلومة قرر أنها ستكون انطلاقته نحو العالم الذي يريد.

رواية الكلب الذي رأى قوس قزح

الفجوة في ما بعد ذلك كانت بين جيله وجيل أبيه وأمه، لم يكن أبداً من السهل عليهم إعطاؤه كل ما يملكون، الأرض، الذهب، حتى معاش أخيه الذي احتفظوا به لأنه ما تبقى من رائحته أعطوه له، ساروا بعقولهم خلف فكرة أنه ولدهم الوحيد وكل شيء سيُحال إليه في النهاية، لكن بداخلهم بقي صراع الزمن والتمسك بالذكرى، هذا البيت بناه أبوه وإخوته، والبيت والأرض جزء من أرواح الناس الذين عاشوا فيه واطمئنوا به، تطلعات ابنهم لم تعني لهم شيئا، يُصِر أن الدنيا تتطور وأنه يفعل الأفضل له ولهم، لكنه دون أن يدري قتلهم بفعل أداة التغيير نفسها.

الجلوس في المستشفيات والمكوث بها من بواعث التأمل واسترداد الذكرى، حتى تلك التي نهرب منها بهوية مجهولة وصمت كبير واسم غير مُستعار لكنه أيضاً غير حقيقي.

رويداً سنعرف قصة السيّد كاملةً، ذلك الرجل الذي لم ينل من الحياةِ أبسط عاديتها، ورغم أن القدر أعطاه ما يريد من الغِنا والجاه وإن كان بطريقة غير التي رسمها لنفسه، لكنه نال مُراده، لكنّ الدُنيا لا تُعطي بلا مُقابل، ولا تمنح دون أن تأخذ الكثير مُقابل هذا المنح.

لم تكن حياة السيد تسير بطريقة هادئة ناعمة كما توقع، تضاد طباع وصفات زوجتة جعل الأمور مع الوقت تزداد سوءا بينهم، ومع علمه المُسبق باختلاف شخصية نور عنه في الكثير من الأشياء إلّا أنّ الاختلافات برزت أكثر في كل مراحل تقدم العلاقة بينهما.

في كل مرة كان السيد ينظر إلى ما في يديه من أمل، يتمسك بما يهون عليه مرارة كل ما حدث، يُعطي مُقابلاً كبيراً لصغائر وسعادات عادية تحدث له، إلى أن تبعثر هذا الأمل وتلاشى بفعل فاجعة قدرية سلبته آخر رمق له في الحياة.

رواية “الرجل الذي رأى قوس قزح”، جميلة جدا بتفاصيلها وتماوج أسلوبها السردي مع طبيعة الأحداث، واستغراق الكاتب في تقمص آلام ودوافع شخصياته التي أجاد ببراعة في رسمها والتعبير عنها وعرض دوافعها واسترسال أفكارها وفلسفاتها الحياتية الظاهرة منها والخفية.

في حياةِ كُل منّا قصة من قصص السيد، تفصيلة من مُجريات حياته، شعورٌ خاص نفذ إلى دواخلنا من بوابة تداعيات القدر أو المرض والوِحدة، وإن أكثر ما يُخيفُ المرء في طول الحياة وعرضها هو أن لا يُبالي به أحد، أن يقرر الذهاب بلا رجعة فلا يجد من يوقفه أو يستجديه للبقاء.

مُعاناة كاملة رسمها الكاتب عصام الزيات بشكل مُتقَن وصاغها بأسلوب بليغ ووثّقَ جوانبها بحرفية شديدة وخبرة مُتقنة رغم أنه أول عمل له!

حياة فارغة رغم امتلائها وطويلة رغم قصرها وسريعة رغم وطأتها المُملة على نفوسنا، لا ذروة تدوم فيها ولا حال، الأمور دائماً فيها مُتقلبة مُتغايرة لا تُؤتمَن ولا تستقر، والذي يُمكن أن يدوم فيها هو شعورٌ مُختلف وغريب يُناسب شطح أجوائها وجنون ما فيها.

لم يأنس السيد بعد كل ما دار في حياته بغير طيف القوس قزح، لم يفقد انبهاره بوضوح الألوان وهيئتها التي عانقت السماء وتألقت فيها، لم ينس الموقف ولم يغب عن باله أن هُناك كلب رأى ما يُمكن ألا يراه غيره طوال حياته، فلم يحدث من قبل أن هُناك كلبا رأى قوس قُزح!

مقالات ذات صلة
- Advertisment -

الأكثر شهرة

احدث التعليقات