إسراء إبراهيم
تشارك دار دوِّن للنشر والتوزيع، بمعرض أبو ظبي الدولي للكتاب، والذي انطلقت فعاليات دورته 32 مساء أول أمس الاثنين، والتي تستمر حتى 28 مايو الجاري، وذلك بمشاركة 90 دولة وأكثر من 1300 جهة عارضة، في 7 قاعات.
تفاصيل الدورة الحالية
يشهد المعرض الذي ينظمه مركز أبو ظبي للغة العربية التابع لدائرة الثقافة والسياحة، أكثر من 2000 فعالية ثقافية. وما يزيد عن 130 جلسة في البرنامج الثقافي، إلى جانب سلسلة من الجلسات الحوارية، والندوات، والأمسيات الأدبية والثقافية والفكرية بمشاركة أكثر من 800 ضيف ومتحدث من أبرز الأدباء والمفكرين والرواد في مختلف المجالات. وافتتحه الشيخ نهيان بن زايد آل نهيان، رئيس مجلس أمناء مؤسسة زايد بن سلطان آل نهيان للأعمال الخيرية والإنسانية رئيس مجلس أبوظبي الرياضي. وتعد تلك الدورة من أكبر الدورات في تاريخ المعرض.
وتحل جمهورية تركيا ضيف شرف على نسخة هذا العام، تقديراً لجهودها في تعزيز الحركة الأدبية والفنية. ويحتفي المعرض بإنجازات الفيلسوف العربي ابن خلدون، مؤسّس علم الاجتماع، باعتباره “الشخصية المحورية” لهذه الدورة، من خلال مناقشات تاريخية وفلسفية وأدبية تركّز على أعماله وتراثه.
يستقبل المعرض زوّاره في 6 مواقع ثقافية مختلفة، تشمل إلى جانب مركز أبوظبي للمعارض كلاً من المجمع الثقافي، منارة السعديات، جامعة السوربون، جامعة نيويورك أبوظبي، سفينة “لوجوس هوب”، أكبر معرض كتاب عائم في العالم، الراسية حاليا في ميناء زايد تزامنا مع فعاليات المعرض.
كما استحدث المعرض “ركن ألفا”، الذي يقدم أنشطة تفاعلية تثري معارف مرتاديه في مجالي الفضاء والعلوم، بهدف تعزيز الاهتمام بالعلم والثقافة لدى أجيال المستقبل، وتنمية مهاراتهم الإبداعية. ويحظى زوار المعرض من الأطفال والناشئة بما يزيد على 1800 فعالية تعليمية وترفيهية متنوعة في مختلف المجالات الفنية والمعرفية.
كذلك أطلق المعرض تجربة “احتفالية هوجورتس – هاري بوتر” التي توفر لعشاق سلسلة أفلام “هاري بوتر” تجربة استثنائية تتيح لهم فرصة استكشاف المعاني الجمالية للمعالم الأيقونة في سلسلة الأفلام الشهيرة، إلى جانب أنشطة متنوعة تسافر بهم في سماء الخيال ضمن أفلام هاري بوتر.
عودة إلى السنوات الأولى للمعرض
انطلق معرض أبوظبي الدولي للكتاب من بدايته، تحت اسم “معرض الكتاب الإسلامي”، في عام 1981، تحقيقا لرؤية الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان.
أقيمت أول دورة للمعرض في مبنى المجمع الثقافي، على نفقة الشيخ زايد الخاصة، وبمشاركة نحو 50 ناشرا من مصر ولبنان، بالإضافة إلى المكتبات ودور النشر المحلية، ولم يقتصر اهتمام الشيخ زايد، رحمه الله، بالمعرض على قيامه بافتتاحه والاطلاع على معروضات الأجنحة فقط، فأمر بشراء جميع ما تبقى من كتب المعرض، وتوزيعها على الجهات المعنية والمؤسسات الثقافية والمكتبات العامة، كما كانت بعض تلك الكتب نواة لتكوين دار الكتب الوطنية في الدولة.
استمر المعرض في الانعقاد لمدة خمس سنوات تحت اسم “معرض الكتاب الإسلامي”، حتى تم تغيير اسمه إلى معرض أبوظبي الدولي للكتاب عام 1986. وتلتها الدورة الثانية بعد سنتين عام 1988. بينما أقيمت الدورة الثالثة سنة 1993، بعد توقف دام ثلاث سنوات بسبب ظروف حرب الخليج، وفي هذا العام تم إقرار انتظام الحدث بشكل سنوي.
منبر ثقافي ونافذة على التبادل الثقافي
تؤكد انطلاقة المعرض على أن التعليم والثقافة هما الدعامتان الأساسيتان لبناء دولة قوية متطورة، بجانب تطوير علاقات دولية، حيث شكَّل المعرض حافزاً لتأسيس نقطة إلتقاء وسوق لدور النشر في العالم العربي. وكان الهدف الرئيسي للمعرض منذ إنشائه هو تشجيع القراءة والتبادل الثقافي، وتسليط الضوء على التطور الثقافي في دولة الإمارات، وتحويل أبوظبي إلى مركز مهم في صناعة النشر بالمنطقة العربية.
أسهم توالي الدورات الناجحة للمعرض أبوظبي الدولي للكتاب، في ترسيخ مكانته لدى أقطاب صناعة النشر على الصعيدين الإقليمي والعالمي، وتنامت مُقوّمات جَذبه لصانعي المحتوى والمبدعين ومحبي القراءة.
تأثير الحرب على معرض أبو ظبي للكتاب
وفي الدورة الثالثة، انتقل المعرض بعيدا عن المجمع الثقافي ليقام على أرض المعارض، التي تحمل الآن اسم مركز أبوظبي الوطني للمعارض، الذي استضاف أيضا الدورة الرابعة في 1994، ليعود المعرض من جديد إلى مبنى المجمع الثقافي في 1995، التي تم فيها اعتماد شروط ومعايير تنظيمية للمشاركة في المعرض. وفي 1997 لم يغادر المعرض المكان لكنه ترك جدران المجمع ليقام في الساحة الخارجية للمجمع، لإتاحة الفرصة ليتوسع أكثر ويحتل مساحة أكبر مع تزايد عدد دور النشر المشاركة.
كما تم تأجيل الدورة 13 لمعرض الكتاب التي كان من المقرر أن تقام في 2003 إلى موعد لاحق، نظراً لحالة القلق بعد غزو العراق من قبل قوات التحالف، وقام المجمع الثقافي في تلك الفترة بتنظيم عدد من المعارض المصغرة للكتاب الإماراتي، إضافة إلى ندوات ومبادرات وخطط نشر مجموعة من العناوين الجديدة، ليعود المعرض في العام التالي، فبلغ عدد دور النشر المشاركة نحو 800 دار نشر عربية وأجنبية، إلى جانب عدد كبير من الفعاليات الفنية والثقافية من محاضرات وأمسيات شعرية ودورات تدريبية وبرامج توقيع الكتب الجديدة، وغيرها من الأنشطة التي تناسب جميع فئات المجتمع من الكبار والصغار وذوي الاحتياجات الخاصة.
انتقال المعرض لمركزه الدائم
حملت الدورة الـ15 لمعرض أبوظبي للكتاب التي أقيمت في 2005، اسم الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، وتضمن برنامج المعرض معرضا خاصا للشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، حمل اسم “منجزات زايد في صور”.
كما كانت الدورة الـ16 هي الأخيرة التي تقام في المجمع الثقافي، وبعدها ودع المعرض المكان لينتقل إلى مركز أبوظبي الوطني للمعارض بصفة دائمة، ويبدأ مرحلة جديدة في ظل تولي “أبوظبي للسياحة والثقافة” -وكانت وقتها تحمل اسم هيئة أبوظبي للثقافة والتراث- تنظيمه.
اليوبيل الفضي للمعرض
في الدورة الـ25 من المعرض والتي تُعتبر “اليوبيل الفضي”، تم اختيار الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، شخصية محورية لمعرض أبوظبي الدولي للكتاب من خلال ندوات تستعيد سيرته وإنجازاته، بالإضافة إلى أجنحة متخصصة وعدد من الإصدارات التي تلقي الضوء على شخصية القائد المؤسس، إلى جانب طرح مجموعة من الإصدارات التي تقدم لمحة عن تراث دولة الإمارات، وإصدار يستعرض تاريخ المعرض منذ تأسيسه، وتفاصيل العمل الثقافي وتاريخه في المجمع الثقافي الذي ضم المعرض والأنشطة الثقافية في العاصمة أبوظبي. كما كانت دولة أيسلندا ضيف شرف الدورة.
تداعيات كورونا على المشهد الثقافي
كما أثر انتشار وباء كورونا العالمي الذي اجتاح بلدان العالم على العديد من الفعاليات وتسبب في وقفها، امتد أثره لمعرض أبو ظبي للكتاب، حيث أعلنت دائرة الثقافة والسياحة في أبوظبي، عن تأجيل الدورة الثلاثين للمعرض، الذي كان من المقرر إقامته من 15 وحتى 21 أبريل 2020. وتم تأجيله لشهر مايو 2021، وذلك ضمن إطار الإجراءات الوقائية للحفاظ على الصحة العامة.
أقيمت الدورة الثلاثين في مايو 2021 بشرط إبراز الزائرين نتيجة سلبية لفحص مسحة الأنف PCR لا تزيد مدتها عن 48 ساعة. كما وفر المعرض الفحوصات بشكل مجاني للزائرين من سن 12 عاما فما فوق في أي مركز فحص تابع لشركة أبوظبي للخدمات الصحية “صحة” في إمارة أبوظبي وذلك حتى اختتام المعرض عند إبرازهم بطاقة تذكرة دخول المعرض. أما الأطفال دون سن الـ12 عاماً فسمح بدخولهم للمعرض بشرط تواجد شخص راشد لكل طفلين. مع الالتزام بفحص درجة الحرارة عند المداخل، وتطبيق التباعد الاجتماعي وتحديد أعداد الزوار المتواجدين داخل قاعات المعرض وداخل أجنحة العارضين.
شارك في الدورة الثلاثين من معرض أبوظبي الدولي للكتاب، أكثر من 800 عارض من 46 دولة. وأعفت دائرة الثقافة والسياحة جميع دور النشر المشاركة في الدورة الثلاثين من المعرضمن دفع رسوم الأجنحة. وجاءت المبادرة حرصاً من مركز أبوظبي للغة العربية التابع لدائرة الثقافة والسياحة على دعم كافة الجهود الهادفة إلى دعم صناعة النشر، في ظل ما تشهده حركة النشر من تحديات جراء أزمة كورونا.
مبادرات ومنح لدعم الثقافة وتخليد تراثنا العربي
يضم المعرض مبادرة “أضواء على حقوق النشر” التي تهدف إلى تخليد تُراث اللغة العربية، والتي يتم فيها تمويل كل أنشطة ترجمة المُحتوى من وإلى اللغة العربية، وتحويل الكُتُب المطبوعة إلى صِيَغ رقمية.
تَمَّ إطلاق مُبادرة “أضواء على حقوق النشر” عام 2009 بِهدف دعم جهود الناشرين الذين يسعون إلى ترجمة المحتوى الأدبي من وإلى اللغة العربية، وتحويل المُحتوى المَطبوع إلى صِيَغ الكِتاب الإلكتروني، والكِتاب الصوتي. وتَهدِف المبادرة إلى تعزيز التعاون بين الناشرين العرب والدوليين وتوفير أفضل المحتويات الأدبية في العالم للقُرَّاء العرب في المنطقة. كما ساهمت منذ إطلاقها في نشر أكثر من 1,035 كتاباً ضِمن عدد من الفئات، بما في ذلك كُتب الأطفال والعلوم والتاريخ والعلوم الاجتماعية وغيرها، من خلال أكثر من 140 ناشراً مما أثرى المكتبة العربية بكُتب مُتَرجمة عن عدة لغات عالمية.
وفي عام 2022، تَلَقَّى معرض أبوظبي الدولي للكتاب طلبات للتسجيل من 122 دار نَشر في 12 دولة مختلفة بإجمالي 135 مِنحَة مالية.
يمكن لأي ناشر مشارك في معرض أبوظبي الدولي للكتاب التسجيل للحصول على المنحة، ويُسمَح بتقديم 25 طلباً كحد أقصى لجميع المنح المُقدمة من المبادرة. ولا يتم قبول الطلبات إلا عبر استمارة التسجيل الإلكتروني الخاصة بالمعرض. وتم إدراج جميع الفئات التي نقبلها في استمارة طلب المنحة. وساهم البرنامج في نشر عدة كتب في مجالات مختلفة بما في ذلك الأدب، والتاريخ، والعلوم الاجتماعية وغيرها. ويفتح باب التسجيل عادة بعد أسبوع واحد من بدء معرض أبوظبي الدولي للكتاب ويُغلق مرة أخرى بعد أسبوع من انتهاء المعرض.
في عامي 2022-2021، وجه الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، بتخصيص ستة ملايين درهم لشراء مجموعة قيمة من الكتب والمراجع والمواد التعليمية ضمن 500 ألف عنوان وطرحت للبيع في معرض أبوظبي الدولي للكتاب 2021، ليتم توزيعها على مكتبات مدارس الدولة، وذلك دعما لقطاع التعليم وإثراءً للمراجع وسبل تحصيل العلوم والمعارف المتاحة أمام جميع الطلاب في مختلف المراحل التعليمية.
حضور مميز لدار دوِّن
تحرص دار دوِّن للنشر والتوزيع، منذ تأسيسها للمشاركة في الفعاليات والمحافل الثقافية الدولية الكبرى، والتي من بينها معرض أبو ظبي الدولي للكتاب، والذي بلغت عدد مشاركاتها من خلاله حتى الآن 6 مشاركات، لتتيح إصداراتها لقراء الإمارات وتتعرف أكثر على احتياجاتهم في محاولة لتلبية تطلعاتهم خاصة فئة الشباب. وتتنوع إصدارات الدار التي تطرحها خلال دورات المعرض ما بين كتب التنمية الذاتية والكتابات الفلسفية والأعمال الأدبية بمختلف أصنافها فضلا عن الأعمال المترجمة والكلاسيكيات.
برامج وفعاليات للتشجيع على القراءة ودعم صناعة الكتاب
يضم المعرض على مدار سنوات العديد من الفعاليات والبرامج والتي يتوسع بها كل عام، منها البرنامج الثقافي
وهو أكبر برامج معرض أبوظبي الدولي للكتاب، ويضم العديد من الفعاليات موزعة على مختلف أيام المعرض، يشارك فيها متحدثون في مختلف مجالات الثقافة والفنون والآداب والفكر وقطاعات أخرى مؤثرة في الشأن الثقافي، من خلال الأمسيات الشعرية، والمناظرات الفكرية والنقدية، والقراءات القصصية والنقاشات النقدية والتحليلية، والجلسات الأدبية، والندوات التي تتطرق إلى أبرز القضايا والظواهر والمستجدات على الساحة الثقافية والإبداعية.
يتضمن أيضا البرنامج التعليمي، والذي يستهدف طلبة المدارس والجامعات عبر مجموعة من الجلسات والفعاليات التعليمية والتثقيفية والورش التعليمية. كما أن المعرض يخصص برنامجا مهنيا يستقطب الخبراء في قطاع النشر لمناقشة أحدث التطورات والتحديات.
من بين الفعاليات المميزة التي يقدمها المعرض، هي سينما الصندوق الأسود والتي تشهد إقبالاً واسعاً في المعرض، وتحوّلت هذه التجربة إلى ركن أساسي من أركان المعرض منذ 2017. أسسها السينمائي نواف الجناحي بهدف توفير صلة وصل بين جمهور الآداب وفن الأفلام السينمائية القصيرة لنشر ثقافة السينما بين شرائح جديدة من الجمهور. وكذلك ركن الفنون الذي يقدم العديد من الأنشطة والفعاليات بعيداً عن عالم الكتب، من خلال توفيره منصة لعرض محتوى بصري أشبه بالمعارض الفنية، ويستقطب ركن الفنون مجموعة من أعمال فنانين محترفين وناشئين من جميع أنحاء العالم، كما يعد مكاناً للرسامين والمصممين والناشرين للالتقاء معا، وينظم المعرض كذلك ضمن هذا البرنامج العديد من الفعاليات والورش لتعليم مهارات وأساليب الرسم وتعليم المشاركين الخط العربي، وغيرها من الورش المتعلقة بالفن مثل الرسم الكاريكاتيري وتعليم المشاركين كيفية رسم الشخصيات وإنشاء رسوم هزلية.
كما يوفر المعرض عبر ركن النشر الرقمي عددا من المشاريع والمبادرات الداعمة لصناعة النشر الرقمية، بمشاركة جهات متخصصة في الكتب الصوتية والإلكترونية والرقمية وتقنيات النشر والطباعة الذكية. بالإضافة إلى برامج “توقيع الكتب” التي تجمع القراء بكتابهم المفضلين. وبرنامج واحة الأطفال الذي يخصص أنشطة وفعاليات وكتب موجهة للطفل.
بجانب ركن أنماط الحياة الذي يقدم مجموعة من العروض الفنية والرياضية والاجتماعية والإعلامية، بمشاركة النجوم والمتخصصين والضيوف. وركن الرسوم المصورة الذي قُدم لأول مرة عام 2022، بالتعاون مع هيئة الإعلام الإبداعي، ليوفر فرصة أخرى لمعايشة قصص وحكايات من أروقة معرض أبوظبي الدولي للكتاب 2022، ولكن في عالم متخيل أبطاله شخصيات كرتونية تروي القصص، مع استضافة مجموعة من أبرز رسامي الكوميكس والفانتازيا وتقديمهم لعروض حية وتجارب ممتعة للجمهور.
في سياق آخر، يحاول معرض أبو ظبي الدولي للكتاب كل عام استحداث شيئا جديدا ومتطورا، مثلما استحدث الشخصية المحورية عام 2014، وركن ألفا هذا العام في دورته الـ32. بالإضافة إلى توسعات في مساحته وعدد المشاركين به والأنشطة والفعاليات التي يقدمها على مدار سنوات إقامته.