لا وعيهم يهيء إليهم أن ضحاياهم هم الأشرار ولذا يصبح من السهل عليهم الإيذاء دون الشعور لحظة واحدة بتأنيب الضمير..
هؤلاء الذين يؤذون.. هناك أنواع عدة من الشخصية.. لكني سوف أتحدث عن نوعان.. النوع الأول من الشخصيات هو الذي لا يعترف أبدا بأنه قد ارتكب شيء خاطئ ويقلل دوما من فداحة ما ارتكبه ولا يعتذر أبدا.. ستجد لدى هذا النوع مبرر منطقي لأيا ما كان الذي سيفعله.. لماذا لا يقر هذا النوع بالخطأ ويعتذر؟ لماذا يجدون أنه من الضعف الاعتراف بكونهم بشر تخطئ وتصيب وتعتذر إلخ.. لأن ثقتهم بنفسهم واهنة ولذا لا وعيهم يحجب تلك الحقيقة عنهم بآلية دفاعية من التظاهر بقوة الشخصية والصلابة وهذا الجدار يغذية مكابرة ووقود جدال لا ينتهي.. هل تعتقد أن الفتاة التي أسقطت أخرى من دراجتها تعتقد حقا في قرارة نفسها أنها قد أخطأت؟ أو أن هؤلاء الذين زهقوا قلب لاعب كرة حالم بأنانيتهم وانتهزايتهم ضميرهم يؤنبهم؟ كلا.. لماذا؟ الاستحقاقية والحق المكتسب والنقطة الأهم.. انعدام التعاطف لديهم..
التعاطف ببساطة هو القدرة على تبني وجهة النظر العاطفية للآخر فتشعر بما يشعر وتفهم دوافعه وأسبابه لما يفعله إلخ.. وهي قدرة عقلية تأتي مع المخيلة ومن العقل البشري قبل أي شيء..
هؤلاء الذين يؤذون لا يتحكمون بعقولهم.. بل يتركون عقولهم تتحكم بهم.. لا يمتلكون إدراك بالذات أو ذكاء عاطفي “القدرة على فهم مشاعرهم بحقيقة وتفسير أفعالهم لأنفسهم دون الاحتماء باللا وعي”.. هم تركوا طفولتهم وحياتهم والعالم يشكل هويتهم وعقلهم يصور لهم أنهم دوما على صواب وبإمكانهم فعل أي شيء. تخيل طفل والده يعذبه، يكبر هذا الطفل وقد حماه لا وعيه من طفولته بجعله يفعل مع الآخرين ما كان يشتكي هو منه.. تخيل طفل آخر في نفس الظروف شب ليواجه نفسه ويتحكم بعقله ويقرر مواجهة ندوبه النفسية وتحديها وأن يصبح له هوية مستقلة ليست ناجمة عن ظروف نشأته.. الفارق بين الاثنين أن في لحظة ما سوف يسألك العالم والحياة والمجتمع عمن أنت؟ ولو لم تكن تملك إجابة بالفعل فلسوف يمليها عليك العالم.
هل تعلم جندي الحرب العالمية الثانية الذي أباد هيروشيما؟ ضغط زر في طائرته وأسقط اختراع أوبنهايمر ببساطة ليحرق ويبيد قرية كاملة.. لم ينتابه أي تأنيب ضمير طيلة حياته وخرج في السبعينات من العمر في لقاء ليقول إنه كان ينفذ الأوامر وفخور بما عمله..هذا هو صلب الأمر.
لا وعيهم يهيء إليهم أن ضحاياهم هم الأشرار ولذا يصبح من السهل عليهم الإيذاء دون الشعور لحظة واحدة بتأنيب الضمير.
النوع الثاني يمتلك القدرة على التعاطف، يتخيل ما يحدث للعالم من حوله.. بإمكانه الإيذاء لكنه يتحكم بعقله.. هؤلاء الذين يتركون عقولهم تتحكم بهم هم الذين قد يسرقونك ويهشمون عظامك بحجة أنهم بحاجة لطعام مثلا.. وهم ليسوا بالضرورة فقراء.. لنعد للنوع الثاني.. عندما يتسبب هذا النوع في الإيذاء فهو يدرك جيدا ما فعله.. قد يحاول الاعتذار أو تصحيح ما فعله أو التعويض، لأسباب كتلك أعطانا الله سبحانه وتعالى مفاهيم مثل حرية الاختيار والثواب والعقاب والغفران والمسامحة.
الطريق الصعب هو فهمك لذاتك وهويتك، والتحكم بعقلك.. الإقرار بحقيقة أنك بشر تخطئ وتصيب.. يهوذا الأسقرطي.. بروتس.. جندي أوبنهايمر.. بيبرز.. هم من النوع الأول على سبيل المثال.. بينما يوليوس قيصر وقطز وصلاح الدين الأيوبي أمثلة للنوع الثاني.. سيكون العالم أكثر رحمة لو أقر البشر بآدميتهم.