مفهوم الأدب النسائي أنا أرفضه تمامًا
ترددت كثيرًا في عنوان كونسيلر
مشروعي القادم مختلف جدًا عما سبقه
المنافسة ستكون عادلة لأن الجمهور لا يجامل
كثيرًا ما نستمع لآراء القراء في كاتب ما والتي تختزل نجاحه إما في قصته المشوقة أو في أسلوبه الأدبي الفريد أو في طريقته الخاصة في رسم أبعاد الشخصيات التي تبدو وكأنها المحرك الرئيسي لقلمه وليس العكس.. لكن السيرة الأدبية الخالدة تقاس بقدرة الكاتب على جذب هذه الآراء نحو كل الزوايا في آن واحد ليلقى إقبالًا جماهيرًا مقدرًا له ولقلمه ولحبكته ورسالته التي لا يزول أثرها بانتهاء الرواية
د.نرمين نحمدلله الكاتبة التي جمعت بين طريقين كل منهما أثقل من الآخر حيث دراسة الصيدلة وحب الكتابة ليبدو الأمر وكأنها اختارت العيش في اختبار دائم يضعها تحت مجهر الحياة طوال الوقت، لكن الألطف من ذلك هو استطاعتها أن تصل بالهواية – الكتابة – إلى مرتبة عالية مثل العمل الميداني بالضبط وأن تخدم خيالها الجامح بترجمته في أسلوب روائي مفعم بالدراما والذي كثيرًا ما يبدو كحلقات عمل تلفزيوني لا يمكنك أن تشاهد الحلقة الأولى منه فحسب إلا وتصل للأخيرة في اليوم ذاته.
في البداية أحب أرحب بحضرتك الكاتبة د.نرمين وأنقل لك قدر سعادتنا بإجراء حوار عن شخصك وعن كواليس كتاباتك المميزة التي تلقى مردود وصدى إيجابي واسع بين أواسط القراء.. واسمحي لي أن أفتتح الحديث عن خطتك الشخصية بسؤال بسيط.. بين الصيدلة والكتابة هل فكرت يومًا في التفرغ للكتابة فقط أو اختيار أحد المجالات على حساب الآخر؟
نعم فكرت بالفعل في ذلك، أن أتفرغ للكتابة بشكل كلي وأعتقد أن مسألة كتلك متاحة جدًا للتفكير في المرحلة القادمة بإذن الله.
هل يمكنك أن تحكي لنا إذًا عن المرة الأولى التي أطلقتي لقلمك العنان في الكتابة؟
أعتقد أن المرة الأولى كانت في المرحلة الثانوية، كتبت قصة قصيرة وقمت بنشرها فيما بعد بعنوان “لست لي” وتلاها بعض الخواطر والأشعار لأني كنت مغرمة جدًا بالأشعار.
كيف تصفين حالة النجاح التي تعيشها كتاباتك حتى الآن؟
الحمدلله رب العالمين.. حالة نجاح كافية جدًا بالنسبة لي كي أستمر.
د.نرمين انتشرت في الآونة الأخيرة فكرة التصنيف الفرعي للأعمال حسب ميول القراء، فكثيرًا ما يتم وصف الإنتاج الأدبي لمؤلفة ما على أنه موجه للنساء من جنسها بل ويتم ذلك من خلال قراءة العنوان فحسب.. هل أنت مع أم ضد هذا التصنيف؟
مفهوم الأدب النسائي أنا أرفضه تمامًا على مستوى القارئ أو الكاتب لأنه يقولب العمل الأدبي في قالب جامد ويمنع رؤيته من جميع زواياه، فأنا على سبيل المثال أكتب عن الإنسان بوجه عام سواء كان رجل أو إمراة كما تستهويني الدواخل المعقدة لكل منهما دون التمييز بين الرجل والمرأة.
كيف يمكنك تقييم المنافسة الأدبية في الفترة الحالية سواء إلكترونيًا أو ورقيًا؟ هل ينقصها شيئ من وجهة نظرك؟
لو قمنا باستثناء فن الدعاية ودوره المؤثر خصوصًا مع تكدس دور النشر وتضخم أعداد الكتاب فيمكننا اعتبارها منافسة عادلة لكن تبقى المسألة هي أن كل كاتب يقوم باختيار جمهوره إما بالتوجه نحو البساطة ومسايرة الأفكار الرائجة أو باختياره التفرد وطرق الأبواب الجديدة وفي الحالتين المنافسة ستكون عادلة لأن الجمهور لا يجامل والنجاح الذي يحققه الكاتب في الحالتين مستحق لأنه استطاع العمل عليه جيدًا.
هل يجب أن ينشغل الكاتب دائمًا بفكرة الكتابة بأسلوب يعجب شريحة كبيرة من الناس أم يجب أن يتمسك بأسلوبه؟
هنالك كاتب ذكي يمكنه استنتاج متطلبات السوق وهنالك كاتب عنيد يستطيع التمسك باسلوبه مهما كانت المغريات وهنالك كاتب عنيد وذكي معًا يمكنه أن يوازن بين الاثنين، ورغم أنه لا يبلغ قدر انتشار الكاتب الأول لكنه يضمن لنفسه منطقة آمنة لنجاحه وأفكاره ويجب أن نعي كون مفهوم النجاح نفسه نسبي، فعلى سبيل المثال هنالك روايات تصنف حاليًا على أنها ناجحة جدًا على مستوى المبيعات لكن الغد لن يحمل لها الأثر نفسه والعكس صحيح..
ولذلك فأنا أتبنى دائمًا فكرة أن أكتب ما أقبل أن أحاسب عليه أمام الله سبحانه وتعالى قبل الناس لأن ذلك هو الأثر الباقي.
كونسيلر رواية مقتبسة عن قصة حقيقية كما هو موضح بها.. ومن هنا دعيني أسألك هل تنشغلين بالبحث عن الفكرة قبل الكتابة أم هي ما تبحث عنك؟
في الأغلب فكرة رواياتي هي ما تبحث عني.
كونسيلر كانت قصتها الحقيقية عبارة عن “بوست” قرأته كمشكلة في أحد “الجروبات” وتعجبت من الفكرة وكيف أنه من الممكن أن يصل الناس لمثل هذا المستوى، والأهم من ذلك كيف يمكن لمشكلة كتلك أن تحل! ومن هنا جائتني فكرة الرواية.
نلاحظ دائمًا في كتاباتك وجود فكرة السعي وراء إرساء العدل بأي طريقة ممكنة، فهل تعتبر تلك رسالتك الضمنية المقصودة في الروايات؟
هذا أمر صحيح.. ونضيف على ذلك أنني أعتبر رسالتي في رواياتي دائمًا هي أن الرحمة فوق العدل وأن الفرصة الثانية دائمًا موجودة لمن يستحقها ويسعى إليها.
ما هو سر اختيار العناوين الغامضة مثل تعاويذ عمران والتي تحمل معنى أعمق من المقصود مثل كونسيلر؟
العنوان والغلاف هما أول احتكاك فعلي بين القارئ والكتاب ويجب أن يكون الكاتب حريص جدًا في اختيارهم كي لا يضيع تعبه في العمل وأنا أحاول قدر المستطاع اختيارعنوان يشد القارئ للمحتوى
لا أنكر أنني ترددت كثيرًا في عنوان كونسيلر لأنه من الممكن أن يعطي انطباع بخفة المحتوى أو يقوم بتوجيهه إلى فئة معينة فقط لكن بمنتهى الصدق بعد كتابة الرواية لم أجد ما يناسبها أكثر منه لأنه يبرز فكرة الفارق بين علاج العيوب ومجرد إخفائها ودور الحب الحقيقي في إظهار هذا الفارق.
صفِ لنا كيف تتمكنين من قياس نجاح عمل ما؟ هل من آراء الناس بشكل يومي أم من زيادة المتابعات أم من وصول رسالة معينة عن العمل؟
إن أكثر ما يهمني هو وصول الرسالة من العمل، هذا هو أكثر يهمني ويسعدني
صحيح أني أفرح بالمتابعات والآراء اليومية لكن الأهم من العدد هو النسبة التي استطاعت أن تصل للمغزى الحقيقي من الرواية لأن هذا هو نتاج عملي وكفاحي في الكتابة بالفعل
احكِ لنا كواليس كتابة تعاويذ عمران وكيف جائتك الفكرة، هل بدأت معك بسؤال مثلًا عن كون الإنسان مخير أم شيئ من هذا القبيل؟
هذا صحيح فالرواية تدور حول محورين، النصف الأول منها عن التخيير والتسيير والنصف الثاني منها عن كون الرحمة فوق العدل وأن الانتقام نار تحرق صاحبها أولًا
أما عن كواليس رواية تعاويذ عمران خاصة فقد كانت دسمة جدًا لأني أعدت صياغة حبكتها مرتين لظروف مختلفة وأعترف أن الله وفقني لأن الحبكة التي استقررت عليها كانت هي الأفضل والأكثر تشويقًا أيضًا، كما كنت أرغب في إدخال الجانب الفرعوني بسحره في الأحداث وأقوم بتضفيره مع تداعيات الحبكة وهو ما كان أمر ممتع جدًا بالنسبة لي ده وأتعشم في أنه كان بنفس المتعة عند القارئ
فاطمة في رواية كونسيلر كانت تحمل قدر هائل من القوة، هل استمدتها من ظلم الحياة وبطشها؟
فاطمة من البداية كانت تحمل هذه الجذوة من القوة داخلها حتى غالية كانت تقول أنها ابنتها عكس غنى الضعيفة المستسلمة لكن القوة اكتست بالقسوة مع الظلم واكتست بالتسامح مع الحب وفي الحالتين كانت منتهى القوة
مشروعك القادم هل هو بنفس غموض السابقين والنمط الدرامي المشوق أم يحمل تصنيف آخر؟
مشروعي القادم بإذن الله مختلف جدًا عما سبقه وهو يعتبر باب جديد حاولت طرقه وتكمن فيه نفس روحي ومبادئي لكن بصياغة مختلفة وأتعشم أن يعجب القراء ويفتح لي باب جديد في هذا المجال.
أخيرًا د.نرمين في نهاية حوارنا أتقدم ليك بالشكر على وقتك وعلى مشاركتك لتفاصيل تهم جمهورك من القراء، وأختتم معك بسؤال ما هي مقومات الكاتب الناجح من وجهة نظرك؟ وبماذا تنصحين أي شخص مقبل على الكتابة؟
مقومات الكاتب الناجح في رأيي تسير على النمط التالي..
أولًا الرسالة ثم اللغة ثم ذكاء رسم الشخصيات ثم اختيار المشاهد المناسبة للفكرة، فالرسالة تأتي في المقام الأول لأنها الأثر الباقي ومن بعدها اللغة لأنها الأداة أو الفرشاة التي ترسم اللوحة، والكاتب بلا لغة قوية واضحة هو مجرد قاص هاوي، ومن ثم رسم الشخصيات والإمساك بلجامها جيدًا كي يلبسها ثوبها الحقيقي ولا يتأثر بشخصيته وقناعاته الشخصية بل يتركها بمعطياتها لتخوض حربها في الأحداث بنفسها
وأخيرًا اختيار المشاهد المناسبة وضبط إيقاعها بين التشويق السريع أو الإسهاب بين الرومانسية في موضعها أو العقلانية في موضعها بين اختيار الرمزيات التي تثير خيال القارئ الذكي وتجعله مشاركَا في الأحداث أو التصريح البين في موضعه لإبراز الفكرة دون مجال للشك ومن المؤكد أن تلك الموازنات تكون صعبة جدًا ونسبة النجاح فيها هي نسبة نجاح العمل
سعدت جدًا بهذا اللقاء وبأسئلتك المختارة بعناية وأتمنى أن أكون دائمًا عند حسن ظنكم.
كان هذا حواري مع الدكتورة والكاتبة نرمين نحمدلله والتي تمتلك خطًا أدبيًا خاصًا بها جعل كتاباتها ملهمة إلى حد كبير وقادرة على ترك أثر غالٍ بداخلك فور الانتهاء من تصور المشاهد كما تصورتها هي.. نتمنى لها النجاح في مزيد من الأعمال القادمة إن شاء الله.
بقلم/ أسماء عرفة.