الأحد, ديسمبر 22, 2024
Dawen APP
الرئيسيةمقالاترواية "الكلب الذي رأى قوس قزح".. رحلة السيد والصعود إلى الهاوية!

رواية “الكلب الذي رأى قوس قزح”.. رحلة السيد والصعود إلى الهاوية!

نقلا عن موقع الرواية

تبدو الرواية “الكلب الذي رأى قوس قزح” لعصام الزيات الصادرة مطلع هذا العام عن دار دوّن وكأنها ملحمة شديدة التماسك لشخصية السيّد، رغم كونها في الوقت نفسه مليئة بالشخصيات الثرية والحكايات التي يمكن أن تخلق عوالم أخرى خارج الإطار المرسوم لها والذي يشد خيوطها من البداية للنهاية انطلاقًا من سور المستشفى!

في البداية وسط الفوضى العارمة والارتباك نبدأ بالتعرف على شخصيتين يبدو اختلافهما واضحًا “السيد” و”خميس” أحدهما يودع حياته بكل ماكان فيها، والآخر  تتداعى ذكريات حياته أمامه حتى النهاية، وبين هذا وذاك تظهر شخصيات أخرى وعوالم مختلفة بين القرية والمدينة، بين الثراء والفقر، بين الرضا والطمع، بين الآمال البسيطة والأحلام العريضة التي قد تضيّع كل ما بعدها، بين الرقص على السلالم وبين النهاية المأساوية التي نصحب فيها “السيد عزت” وحكايته منذ كان شابًا لأسرة بسيطة في إحدى قرى طنطا وحتى أصبح واحدًا من رجال الأعمال وأصحاب الشركات، حتى تنتهي حياته مجهولاً غريبًا في أحد المستشفيات.

للقراءة| “لعبة البيت”.. الكتابة من أجل الخلاص!

خميس الصّياد يحضر هو الآخر، ويبدو في البداية كأنه مرآة أخرى لشخصية السيد، أو المقابل العكسي لشخصيته، لاسيما في الحكاية التي يرسمها لابنه الذي جاء يبحث عنه، فيما هو مجهول لا يعرف أحد عنه شيئًا بل ولايريدون أن يعرفوا بالأساس، ولكن حضور خميس بدا كشخصيته ظلاً بسيطًا وعابرًا، مجرد كيان وجثة يحدثها السيد ويبثها بعض همومه، ولكن أثره لا شك سيبقى في ذهن القراء طويلاً.

عبر تقنية الفلاش باك ومن خلال توزيع السرد بين لقطات من الماضي والحاضر نتعرّف على حكاية “السيد” وأسرته البسيطة حيث والديه اللذين يحلمان له بمستقبل واعد، ثم نتعّرف على  بعض علاقاته، شخصية تبدو هامشية ليس لديه الكثير من التطلعات، ولكن حياته تتغيّر بشكل مفاجئ حينما يسمع عن فرصة للثراء السريع من أحد ركاب القطار، وتتوالى بعد ذلك المفاجآت التي تقلب حياته رأسًا على عقب، ورغم أنه يصل إلى ذروة في المجد والثراء وتحقيق الذات إلا أننا نكتشف أن كل ذلك لم يكن أكثر من وهم كبير، لا يمثل لصاحبه شيئًا، ربما لأنه لم يسع له أصلاً، فكان على طريقة عنوان الرواية والكلب الذي يعرف عنه أنه لا يرى من الألوان إلا الأبيض والأسود، ولكنه فجأة يمكن أن يرى “قوس قزح” يغيّر حياته بالكامل!

((بدأ السيد يستوعب المشهد كقطع اللغز الورقي المكون من ألف قطعة، يضع قطعة بجوار أخرى حتى يكتمل المشهد هذا تصور السيد دائمًا عن حياته، لغز مكوّن من قطع عديدة، كلها تحكي شيئًا عنه، لكن كلها بغير بعضها لا تحكي كل شيء كل قطعة تحمل جانبًا من الاكتمال، لكنها تشير في نفس اللحظة إلى أنَّ هناك نقصًا ما فلا يهم قطعة اللغز التي سوف تضعها أولًا، ربما كانت من نهاية اللغز، وربما كانت من قلبه، المهم أنّك في النهاية سوف تعود بظهرك للخلف، وتفرك عينيك، فقد اكتمل اللغز أمامك فجأة أغرتك التفاصيل فاستسلمت لتتابعها، وستُصدم في لحظة أن اللغز قد اكتملت كل أوراقه. القطعة التي ستُكمل لغز السيد الأكبر، ولغز كل حيّ، هي الموت))

الكب الذي رأى قوس قزح

السيّد وتفاصيل استثنائية

لايود السارد فيما يبدو أن يقدم بطله الأساسي تقديمًا عابرًا، فرغم أن قصة “الصعود إلى الهاوية” ربما تتشابه مع قصص وحكايات أخرى، إلا أن عصام الزيّات حرص بكل ما أوتي من وسائل سردية وحكائية أن يرسم تفاصيل خاصة لشخصيته، تمثل ذلك في اهتمامه ببعض الأمور العابرة، مثل موضوع “الساعات” وكيف تحولت “ساعة اليد” عنده من مجرد أداة للزينة إلى عاكسة لطبيعة الشخصية التي تبحث عن التفرد، تلك الساعة التي ستبقى معه للنهاية، كذلك جاءت تفصيلة إمساكه بجزء معدني أثناء نومه لتكون أحد أسباب انتقاله لغرفة أخرى في المستشفى، وكيف  جعل تلك التفصيلة التي قد تبدو ثانوية معبرة عن شخصية يسكنها الخوف من النوم والأحلام على السواء!

ولن يغيب عن القارئ بالتأكيد ذلك التشبيه الذي صنعه الكاتب باقتدار لبطله، والمقارنة بينه وبين “الكلب الذي رأى قوس قزح” على اعتبار أن تلك الرؤية هي اللحظة الكاشفة التي حوّلت حياة السيد/البطل وقلبت حياته رأسًا على عقب!

حتى الحب عند السيد جاء خاصًا واستثنائيًا، فلم يكن تلك الشخصية الغارقة في الرومانسية الباحثة عن الحب، ولكنه يلتقط المصادفة التي تخلق عالمه، ويغمض عينيه عنها بعد ذلك، فلم نعرف عن حياته مع “نور” بعد ذلك اللقاء المفاجئ الذي جمعها، ولم يبد للحب أثر أثناء زواجه، بل على العكس بدت نور نموذج تلك المرأة التي استطاعت أن تقتنص كل ما أرادت في لحظة واحدة، وتحقق أحلامها بالثراء والزواج فجأة، ولكن حياتها لا تنتهي بالتأكيد على النحو الذي أرادت!

شخصيات أخرى، وعوالم ثرية! 

ورغم اهتمام الكاتب ببطل روايته بشكل أكبر، إلا أن شخصيات الرواية الأخرى تبدو مرسومة بعناية، وإن جاء التعبير عنها بمقدار “الدور” الذي يمنحه الكاتب/المخرج لكل واحدٍ منهم بحساب، فشخصية الزوجة “نور” تقترب وتبعتد عن زوجها السيد بحساب، وكذلك عائلته الفقيرة البسيطة، ذلك الأب “عزت محروس” الذي حمل هم الأسرة والعائلة، ثم استسلم فجأة لرغبات ابنه الذي أصبح وحيدًا، وتلك الأم “صفيّة” بكل ما تحمله من حنان ورعاية، تلك التي تركت في ابنها حتى الدعوات التي لم تغادره حتى آخر حياته، كذلك شخصيات المستشفى وعالمها الثري سواء من طاقم الأطباء أو التمريض، لاسيما شخصية مثل “خلود” بكل ما تحمله من معاني وما سعت لبعثه من أمل، وصولاً إلى خميس الصياد وتفاصيله عالمه.

(( بدأ خميس يفقد سمعه تدريجيًّا فأصبح وجوده في مراكب الصيادين خطرًا عليه وعلى الآخرين. لا يسمع صيحات التحذير، ولا يتواصل مع باقي الطاقم، فبات برَكَة المركب. يدفع له الصيادون أُجرة يومه دون انتظار عمل منه. ..‫ حينها أدرك خميس أنه لا مبرر له بعد الآن لمهادنة الموت. لكن علم بحسِّ الصياد أنه لن يموت إذا انتظر الموت. سيُعاقبه الموت على جعله ينتظر طوال السنوات الماضية، بأن يذيق خميس مرارة الانتظار كذلك. وحين دخل المستشفى وعلم بدمار جهازه التنفسي فهم رسالة الموت له.))

وهكذا فمع القصر النسبي لعدد صفحات الرواية (200) إلا أن القارئ يشعر في النهاية أن الحكايات مستمرة، وأنه يود التعرف أكثر على عالم هذه الشخصيات المختلفة وما جرى وسيجري لهم، فخلف كل شخصية حكاية ذكر السارد بعضًا منها وربما ترك الباقي لخيال القراء، كما تعامل بحساسية واضحة مع موضوعات وقضايا كبرى كالموت والمصير والبحث عن الجدوى من الحياة، وأفكار مثل الحب والخيانة والتضحية، وغيرها من الأفكار التي تناولتها الرواية وناقشتها ببساطة وبشكلٍ موجز دون أن يسقط في فخ التنظير أو فرض وجهة نظر بعينها.  

يبقى أن نشير إلى أن “الكلب الذي رأى قوس قزح” هي الرواية الأولى لصاحبها عصام الزيات، الذي يعمل طبيبًا ويكتب القصص والمقالات والمراجعات الأدبية، ويبدو أن لديه مخزونًا كبيرًا من الحكايات وقدرة كبرى على صياغتها ورسم عالمها باقتدار.

مقالات ذات صلة
- Advertisment -

الأكثر شهرة

احدث التعليقات