نقلا عن (جود ريدز)
في البداية تعجبت من تعاطف الكاتب محمد عبد العال الخطيب، في روايته “واحترقت أوراق القضية”، الصادرة عن دار دوّن للنشر والتوزيع، مع شخصية “واصل” أو صالح، الشاب البسيط القادم من سوهاج، حيث منحه في حبكته حظ استثنائي تمثل في الحصول على المأكل والمأوى والعمل في وقت قياسي فور نزوله محطة مصر؛ حيث لم تخط عملية بحثه أمتارًا معدودة، لكن بعد الاستمرار في القراءة اتضح أن المؤلف يطهي له كارثة أكبر على موقدٍ قابل للاشتعال، وكأن حريق القاهرة رغم إخماده سيستمر مشتعلًا في قلب واصل، وكأن أماني الإنسان بالمأكل والملبس والعمل المناسب؛ هي هبات ظاهرية لا تساوي شيء أمام هبة الستر والبعد عن الفواجع؛ وعدم التورط في رؤية ما لم يكن مخيرًا في رؤيته.
للقراءة| تفاصيل ورشة “كيف تنشر كتابك الأول” لـ أحمد مهنى
الكاتب أفرد لنا خريطة تفاعلية بديعة للقاهرة قبل الحريق بوصوفها ومصطلحاتها الديموغرافية، فاستمتعت باستطلاعات واصل الصباحية من الجراج مرآب الحكايات؛ لاسكتشاف القاهرة، كذلك أعجبني الكثير من الوصوف والتعبيرات الدقيقة النابعة عن قراءة تاريخية دقيقة، كوصف شارع إبراهيم باشا: “أن شرقه كان مصر وغربه مصر تانية”.. “وأنه الصبح شارع عادي إنما بالليل بتظهر فيه جنيات وشيطاين الإنس”. “وان شارع كلوت بيه الصبح بتاع الغلابة وبالليل حاجة تانية”. وتفاصيل تاريخية (حقيقية دقيقة) أخرى مع بقية الرواية، لا يسعني ذكرها كاملةً.
الأحداث مشوقة ومرتبة وملخصة؛ وتكمن صعوبة العمل في التلخيص ذاته؛ فلم يسترسل الكاتب في جانب ولم يتمارض قلمه في غيره، حتى خرج بملخص منسق عن وقائع مهمة منذ الثلاثينيات وحتى الخمسينات، ناقش خلالها دور المقاومة ضد المستعمر البريطاني، والبلطجية والقبضايات والفتوات، وصراع الأحزاب؛ وغيرهم.
أعجبني الدور المحوري لشخصية سليمان الثائر العمالي والطاهي المحترف بفندق شبرد، ذاك الفندق مركز السياسيين ورجال قوى التحالف في الحرب العالمية الثانية، وأعجبت بحكايات عم عبده المسن ريكوردر الأسرار، خاصةً أن أبعاد شخصيته رُسمت بعمق.
– في المجمل، الكتاب ورقة تاريخية دسمة، تجدد علينا طرح سؤال لم يمت مع تعاقب الأجيال:
كيف تم إطلاق سراح المعتقلين السياسيين أبان ثورة 23 يوليو عام 1952 م، رغم أن هذا الحريق جريمة جنائية من الطراز الفريد!، لماذا لم يكتمل التحقيق الجنائي! من أحرق القاهرة؟
– الغلاف بديع وملائم بشكل كلي مع الحدث؛ من نوع الخط واحتراق خبر الحادث نفسه، وهي دلالة عميقة على أن طمس معالم الجريمة قد طال الحديث عنها.
– لغة السرد والوصف رغم بساطتها؛ ممتعة وملائمة لرواية بأواسط القرن العشرين، مناسبة لعصرها وخالية من الاستعراض اللغوي الذي يستخدمه الكتبة في غير محله.
– تميزت الرواية بدقة وصف أماكن أحداث الرواية وكأن الكاتب من جيلها، بل من شاهدوا القاهرة قبل وبعد الحدث.
– استخدام الكاتب لمصطلحات زمن الرواية والمسميات والأماكن وشرحهم في ملحوظاته تم بشكل موفق.
– لغة الحوار متوافقة مع زمن الرواية من اختيار الكلمات وكذلك التنوع الفكري والاجتماعي آنذاك.
– أبدع الكاتب في وصف حريق القاهرة بأسلوب مثير كان أكثر ما ميز الرواية.
– ندرة الاختلاق الدرامي فيما عدا الشخصيات وسير أحداثها؛ رسخ الرواية كوثيقة تاريخية يُتكأ عليها
رواية مهمة أنصح بقرائتها.