السبت, ديسمبر 21, 2024
Dawen APP
الرئيسيةحواراتعلاء عبدالحميد: أحترم الحق الإنساني في السؤال

علاء عبدالحميد: أحترم الحق الإنساني في السؤال

أرى الدين المطروح للناس هو مجرد خطابات عاطفية

لا أميل للفن الموجه، ولكني أميل للفن الإنساني

العبادة ليست هي الإيمان بل هي ثمرته

أحترم الحق الإنساني في البحث والسؤال 

رجل ذو معرفة صادقة اتخذ طريقًا ممهدًا ليدلف عقل كل شاب وفتاة أرادوا التدبر في منهاج الحياة الخاصة بهم، وعقل من يمتلكون نظرة سوية لذلك المنهاج بالفعل، حتى برع في الإجابة على طريقة كل جماعة منهما فيما يخص فيض التساؤلات الذي لا ينتهي عن بداية وصول الدين إلى قلوبنا وكيف يمكننا حفظه بداخلنا عن طريق معرفة الخالق معرفة سليمة لا ينقصها الفهم ليلتقي القلب والعقل معًا في نهاية الطريق

أ.علاء عبدالحميد يتحدث من خلاصة رحلته التي بدأت من دراسة الشريعة والقانون ومن إيمانه بضرورة التفكر فيما نحب وما نكره، في الفضائل التي تزيل الغمة عن النفس وفي البلاءات التي تدعونا لمزيد من المحاولة كي نعرف الرسالة الخفية من ورائها، بينما يقص علينا “كيف وصل إلينا هذا الدين” على متن سفينة الإيمان في “رحلة إلى معرفة الله” حتى يصل بنا إلى بر أمان نتأمل فيه وكأنه “حديث نفس”..

في البداية أود أن أرحب بحضرتك بالتعبير عن سعادتنا بإجراء هذا الحوار معك ونتمنى أن يتجدد في المستقبل القريب إن شاء الله، أ.علاء أعط لنا نبذة عن بداية حياتك وحتى اللحظة التي وصلت فيها للطريق الذي تسلكه حاليًا؟ 

القضية باختصار هي أسئلة لكل مرحلة من العمر أبحث عن جوابها بقدر ما يتاح لي من مدارك أو علم، لا أحاول الهروب من أسئلتي ولكني لا أدعي في الوقت نفسه أنه املك أفضل الإجابات أو أني في أفضل الطرق، المهم أني أحاول أن أكون جادا وألا أهمل الاختيار الذي يبدو لي الأفضل الآن، والحياة في نهاية الأمر تسير ببساطة.

أما عن البداية باختصار فأنا أزهري منذ الطفولة وفي مرحلة الإعدادي أحببت العلوم الشرعية وقررت أنها ستكون ميداني الذي أحبه بجوار عملي، كنت أنوي دراسة الهندسة ثم الالتحاق بكلية شرعية ولكن حالت بعض الظروف في مرحلة الثانوية دون تحقيق هذه الرغبة فالتحقت مباشرة بكلية الشريعة والقانون ولكني عملت لمدة سبع سنوات في مجال البحث والتطوير في علوم الإدارة والتعليم عن بُعد إلى جوار ممارسة الدراسة والتعليم الشرعي حتى قررت التفرغ للعلم الشرعي دراسة وتدريسًا وتأليفا منذ سنة 2014 بعد وفاة الوالدة رحمها الله.

التطور المهم الذي حدث في أهدافي هو انتباهي لضرورة مخاطبة الشباب غير الأزهري أو غير المتخصص في دراسة العلوم الشرعية بمنهج علمي حقيقي بعيدا عن الوعظ والحشد العاطفي، وضرورة المشاركة في السؤال الإنساني بلا تعالي ولا مصادرة على حقه في السؤال والبحث، وهو ما اتجهت إليه معظم أعمالي منذ فترة طويلة.

أرغب في الانتقال بعد الاستماع إلى تلك الرحلة إلى الحديث عن (وصفة) النجاح التي ميزت كتاباتك وأفكارك؟ ما هي مقومات نجاحك من وجهة نظرك؟

لا أدري هل يمكنني أن أصف أعمالي بالناجحة بعد أم لا، ولكن إجمالا أنا أحرص على أمور في أعمالي، فإن كانت أعمالي ناجحة فقد يكون هذا لوجود هذه الأمور:

الأمر الأول أني أحاول أن أكتب فيما يهم الشباب من أصدقائي وابتعد عن الموضوعات التي لا تشغل سوى فئة المثقفين والأكاديمين، وهذه مساحة فارغة بنسبة كبيرة في مجال الكتابة.

الأمر الثاني أني أحاول ألا تكون كتابتي هي مجرد رد فعل، بل تكون أصيلة وعميقة – قدر الوسع – بالغوص في أصل المشكلة ومحاولة استيعاب المحاولات العلمية السابقة واختيار أحسنها وتوظيف معرفتي بالعلوم الدينية والفلسفية وعدم محاولة اختراع العجلة والتهور بتقديم إجابات سطحية التي تخرج من أن أظن أني أول من فكر في هذه المشكلة، بل كثير من الأسئلة الإنسانية متكررة من عصور قديمة قبل الميلاد.

الأمر الثالث أني أحاول وضع نفسي مكان القارئ فأطرح الأسئلة التي أتوقع أن يفكر فيها وأحترم ذكاءه ولا أتهرب من مواجهة مشكلة موجودة بالفعل في الواقع، وأكتب بلغة أقرب إلى فهمه وأحاول توظيف كل وسائل الإيضاح الممكنة لتقريب الفكرة وتبسيطها.

الأمر الرابع أني أحترم الحق الإنساني في البحث والسؤال ولا أرغب في المصادرة على الحقيقة، رغم أني أؤمن بالعديد من الحقائق الثابتة لكني أحترم عدم اقتناع الناس ببعض الطروحات واختلاف زوايا النظر والاستعداد النفسي لقبول بعض الأفكار.

 تتميز كتاباتك بالعناوين الجريئة جدًا التي تعد القارئ بكتلة من المعلومات والنظريات والآراء، حدثنا عن طريقتك الخاصة في البحث قبل الكتابة؟ هل هنالك روتين معتاد وعدد ساعات معين أم لا؟ 

يختلف الأمر من كتاب لكتاب، في الكتب ذات الطبيعة التأملية ككتاب “حديث نفس” يتوقف الأمر على الإلهام أو حصول المعنى في النفس، فأكتبه ويندر أن أتمكن من كتابة معنى بمجرد الإمساك بالقلم في هذه النوعية من الكتب ما لم يكن المعنى هو الذي يدفعني للكتابة، الأمر على العكس في الكتابات ذات الموضوع العلمي، ولكني أعتمد على الكتابة بأسلوب المقالات، كل فكرة أو سؤال يندرج تحت الفكرة العريضة للكتاب أكتبه على حدة في صورة مقال يعالج قضية منفصلة، حيث تحركني الأفكار والإشكالات والتساؤلات، فإذا تم عدد معقول من المقالات أحدده عادة بمقدار الرواية المتوسطة حيث يستثقل القارئ الكتب الضخمة، أقوم بإعادة ترتيبها وفق نسق أو Module فيظهر لي عدد من الفجوات تحتاج لملئها فأكتب عددا إضافيا من المقالات ثم أقوم بالتنسيق بين هذه المقالات وحذف المكرر وتنسيق الإحالات والترتيب بينها، ثم أرسلها لعدد من الأصدقاء مختلفي الاهتمامات لمراجعتها من أكثر من وجهة نظر وزاوية ثم أقوم بالتعديلات اللازمة بعد هذه المراجعات، ويرافق هذه المرحلة إرسالي لمخططات مرسومة بخط اليد لأصدقائي المصممين لرسم الصور التوضيحية، ثم تأتي مرحلة الإرسال للناشر ليقوم بدوره بالمراجعة ثم تبدأ بروفات الطبع.

في الكتابة عادة لا التزم وقتا معينا من اليوم ولكن أغلب الكتابات تكون من منتصف الليل إلى الفجر أو إلى التاسعة صباحا، ولا شك أن ساعات العمل تتضاعف في الأيام الأخيرة قبل النشر. ويسبق الكتابة عادة شهور أو أسابيع من القراءة في الموضوع وجمع المصادر اللازمة له بحيث أهضم المادة العلمية ثم أكتب على سبيل الاسترسال ليأتي الكلام سهلا متصلا ولا أتوقف أثناء عملية الكتابة للمراجعة إلا إذا ظهرت لي مشكلة أو قضية أشعر أني غير متوثق منها جيدا.

ثم أقسم الأفكار الرئيسة لملفات وتحت كل ملف أضع المقالات الفرعية التي تدور في فلك الفكرة الرئيسة، فإن شعرت أن الكلام سيتشعب أنقل الفكرة المتشعبة الجديدة إلى ملفها الملائم لها والذي قد يكون كتابا جديدا.

هل تفضل وصف كتاباتك بكونها فلسفية أم دينية ؟ وما بين الدين والفلسفة هل هنالك تعارض كما يظن البعض؟

هذا يتوقف على تعريف الفلسفي والديني، لو قصدنا بالفلسفي العقلي المحض الذي لا يعتمد على أي مساحة من الوحي فكتاباتي ليست فلسفية، وإن قصدنا بالديني الذي يعتمد تماما على الوحي بلا مساحة للعقل فكتاباتي ليست دينية

وقد أشرت في كتاب رحلة إلى معرفة الله إلى جواب سؤال هل هناك فلسفة في الدين. وإجمالا فأنا أؤمن أن العقل له مساحته التي لا بد من احترامها والدين له مساحته، والإنسان العاقل هو الذي تترتب المعارف عنده وفق نسق معين لا تتصادم فيه ولا تتعارض، أما التصنيف لديني وفلسفي فأجده تصنيفا يثير بعض الإشكالات لعدم وضوح هذه المصطلحات لدى كثير من الناس.

دعنا نتعمق قليلًا وأسألك هل تلمس بالفعل وجود رؤية علمية متماسكة للدين في الفترة الحالية أم هنالك ما ينقص الصورة؟

إن كان المقصود بالـ(الوقت الحالي) الخطاب الديني الشائع فلا، بل أرى الدين المطروح للناس هو مجرد خطابات عاطفية تمتزج فيها الآراء الشخصية بالدين نفسه مع اختزال ضخم في المعرفة الدينية المقدمة

ولا أقول هناك ما ينقص الصورة بل أقول لا توجد صورة أصلا، وهذا السبب الذي دعاني لمحاولة تقديم هذه الرؤية في سلسلة كتبي التي تصدر تباعا إن شاء الله.

هل يجب أن يطلق الإنسان لعقله العنان كي يفكر في التفاصيل دون ريبة أم أنه هنالك أمور في الدين تعد من المُسلمات؟ 

إجمالًا فإن مفهوم المُسلّمات هي التي لا تحتاج إلى إثبات، والمسلّمات الوحيدة التي لا تحتاج إلى إثبات هي الحقائق البديهية كعلمي بوجودي وأن الشيء الموجود لا يكون معدوما في نفس الوقت، وهي التي ننطلق منها لإثبات وجود إله ثم ننطلق من ذلك إلى إثبات وجود دين ثم نتوثق من صحة نقل هذا الدين، في كل مرحلة من هذه المراحل يمكن أن تنشأ مسلمات لاحقة لا تحتاج إثبات باعتبار أن أصلها تم إثباته، فمثلا لو ثبتت عندي نبوة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وثبت عندي أن الصلاة هي من الدين الذي نُقل عنه ثبوتا لا أشك فيه فهنا ستكون عندنا مُسلّمة اسمها أن الصلاة من الدين الإسلامي، هي مُسلّمة بمعنى أنها صارت لا تحتاج إلى إثبات بحيث أستطيع أن أبني عليها أحكام جديدة كالبحث في أحكامها، ولكن هذا لا ينفي أنها في ذاتها مُثبتة في مرحلة سابقة، فإذا كان الدين نفسه يتم إثبات صحته، فبدهي أن جميع تفاصيله مُثبتة بدورها، فهي مُسلّمة بعد ثبوتها عند من ثبتت عنده لا قبل ذلك.

وليس مقابل المسلمات الريبة، بل هناك مراحل وسيطة من الظن وغلبة الظن والاحتمالات الراجحة وهي كافية في ميدان العمل في الفروع وقد أشرت لهذا المعنى إشارة سريعة في كتاب كيف وصل إلينا هذا الدين.

تحدثت في كتابك “كيف وصل إلينا هذا الدين” عن موضوع نقل الأخبار باستفاضة، بماذا تنصح القارئ في إيجاز كي يميز ويتجنب التأثر بالمصادر والأفواه المزيفة؟

التوثق من مصادر معرفته ومعرفة قوانين الاجتماع البشري، وكلما اتسعت ثقافة الإنسان كلما أمكنه تمييز الأمور واختلفت معاييره.

ماذا عن مواجهة المحنة العالمية الحالية في عام 2020 والخوف الذي يسيطر على النفس البشرية رغمًا عنها.. كيف يطمئن الإنسان وكيف يتمسك بطريق الأمل في ظل هذه الظروف؟

من حق الإنسان الخوف كشعور إنساني، ولا شك أن الطمأنينة القلبية – التي لا تتعارض مع الأخذ بالأسباب – ثمرة الإيمان بالقدر، ولست من أنصار بيع الآمال لأمور لا أضمنها لأحد ولكني من أنصار التسليم لما لا يد لي فيه، وفي نفس الوقت يكثر رجائي في الكرم الإلهي، والرجاء هو طلب أكثر منه انتظار.

 متى يرتاح الإنسان لكونه مؤمنًا بحق، هل هنالك إشارة لذلك؟ أم أنه يجب أن ننشغل دائمًا بكوننا مقصرين في عبادتنا؟ 

العبادة ليست هي الإيمان بل هي ثمرته، الإيمان هو التصديق بالحقيقة، وهذا التصديق بدوره يختلف عن الطمأنينة والعلاقة الروحية، التصديق ينبغي أن يكون قابلا للإثبات بحيث لا يشك الإنسان عقليا في الحقيقة التي يؤمن بها، أم الارتياح والطمأنينة فهي العلاقة الروحية والقلبية التي تنبني على هذا التصديق وهي رحلة الإنسان الشخصية مع الله، وأسبابها كثيرة جدا ولا شك أن الفهم أكثر عن الله يكون من أهم أسباب زيادتها

 أما الشعور بالتقصير في العبادة فما لم يكن من باب جلد الذات فهو مفيد في طلب الكمال والارتقاء في الإحسان بشرط عدم التكلف واليأس من رحمة الله والتشديد الزائد على النفس.

 كيف تلخص الرسالة التي أردت أن يخرج بها الناس من كتاب “رحلة إلى معرفة الله”؟  

معرفة الله معرفة علمية بعيدا عن الأوهام والكلام العاطفي لينبني عليها العلاقة القلبية

دعني أقتبس جملة من كتابك “كيف وصل إلينا هذا الدين” الفقرة التي تقول (عبارة مثل: كان سعد زغلول وطنيًا يدافع عن مصالح الشعب مثلها مثل قول القائل كان سعد زغلول خائنًا يتعاون مع الانجليز، فالعبارتان كلتاهما عبارة عن حكم لا قيمة له إلا إن كنت تنوي تقليد القائل في حكمه ووجهة نظره، لثقتك به وقبولك لمعاييره … وإنما الخبر الحقيقي الذي ينبغي أن نقبله إن صحت شروطه “كان سعد زغلول يفاوض الانجليز على كذا” )

هل يمكنك صياغة تلك العبارة في مثال يناسب عام 2020 أو القرن الحالي بأكمله؟

إذا نظرنا للفرق بين الخبر المتضمن حكم والخبر المتضمن واقعة ثابتة سيصلح أي مثال، فعبارة “الجو بارد” عبارة تضمن حكما وعبارة “درجة الحرارة  16 درجة مئوية” تضمن خبرًا واقعيًا. نفس الكلام في تعليقي على مباراة كرة قدم أو حرب أصفها بالناجحة أو العادلة فهذا حكم قيمي قد يختلف معي السامع في معاييره

دعني أنتهز فرصة الحديث عن شخصك ومعرفتي بأنك تقدر فيلم مثل “12 رجل غاضب” وكتابات مثل كتابات “الراحل أحمد خالد توفيق” وأسألك عن نظرتك لعالم الفن والأدب اللذان صارا أقرب المؤثرات على البشر.. ومتى يخرج الإنسان منهما باستفادة حقيقية؟

كقاريء أو مشاهد لا أميل للفن الموجه، ولكني أميل للفن الإنساني أو الفن غير المؤذي، قد تكون الاستفادة مجرد المتعة -وهو أمر مهم- وقد تكون الاستفادة الارتقاء بالحس أو أو باللغة أو بالثقافة أو بتحريك المشاعر الإنسانية…إلخ، المهم ألا يكون العمل الفني أو الأدبي مؤذي للإنسان أو متضمن لقيم رديئة كالترويج للعنف أو الإباحية، وهذا طبعا بعد الجودة كشرط لأي عمل.

أخيرًا أ.علاء أرغب في توجيه جزيل الشكر لحضرتك على مشاركتنا تلك التفاصيل الملهمة وأسألك في الختام ما الفضيلة التي لو تبناها البشر لصلحت أحوالهم وصاروا على أول طريق الهداية؟  

الحقيقة أني لا أميل للإجابات الأحادية، فالفضائل كلها مطلوبة ومن الصعب تحديد شيء يكون أهم من الآخر وهذا يختلف من إنسان لإنسان ومن حالة لأخرى، المهم أن يكون الإنسان في سعي دائم وجاد لاكتساب الفضائل بقدر الوسع البشري مع القبول لضعفنا وقصورنا الإنساني.

كان هذا حوارنا مع الأستاذ والكاتب علاء عبدالحميد الذي يمتلك رصيدًا من المعرفة تجبرك على الاستماع إليه لمدة لا تشعر بها من الزمن، نتمنى له كامل التوفيق في مشاريعه القادمة وفي الرسالة التي يسعى لغرسها في النفوس الطيبة الصادقة التي تسير على طريق معتدل بين الإيمان والفهم.

بقلم/ أسماء عرفة. 

مقالات ذات صلة
- Advertisment -

الأكثر شهرة

احدث التعليقات