رواية “مقامرة على شرف الليدي ميتسي” -للكاتب أحمد المرسي والصادرة عن دار دوِّن للنشر والتوزيع- تعيش التاريخ وتتخذه فضاءً فسيحا لشخصياتها وأحداثها، دون أن تتورّط في أحداث التاريخ الكبرى وأسماء الشخصيات الرنانة والأرقام المخيفة، رواية تصنع عالمها بوسائط بارعة، حقيقية، وتتمثله تمثلا كاملا بلا تكلف أو افتعال، ولولا تقنايتها السردية الحديثة، وجملتها الرشيقة وإيقاعها لقلت أنها كتبت في عصر قصتها، رواية تجُبُّ ما هو معتاد ومنتشر في الكتابة التاريخية، لا تستقي “سمتها” من مرجع ومسلسل وفيلم تسجيلي، بل من وحي تجربة روائية حقيقية.
للقراءة| في عيد الحب.. أعمال رومانسية يرشحها 15 كاتبا
لتصبح بمثابة كنز معرفي لفترة العشرينات في القاهرة ولعالم سباقات الخيل خصوصا. لم يستهلك الكاتب مفردات ومسميات ومعلومات بعينها ليكرر استخدامها كاشفا عن فقر معلوماتي، بل بذلها في سخاء وتنوع، واستخدم أغلبها مرة واحدة، سردا ووصفا وحوارا.
تعيش تفاصيل الرواية وتتورّط داخلها دون أن تشعر بفجوة زمنية قدرها 100 عام، لأنها تعبر عن التجربة الإنسانية في جوهرها، التجربة التي تتجاوز الزمن والفردية، فمشاعر الخوف والقلق والرغبة والأمل والحب هي ذاتها في كل مكان وزمان.
رواية تفسّر صورة فوتوغرافية لأربعة أشخاص وفرس، تتبع مصائرهم معا في زمن دائري متداخل بين ماضي الحكاية وحاضرها ومستقبلها. فالقصة الخلفية لا تمثل أرضية تفسير، إنما جزء أصيل من القصة، يفي بتوقع القارئ ورغبته في تفسير لا غنى عنه، والاستباق لا يحرق أحداثا، لأنه يعول على كيفية وقوعه وليس على طبيعته. في ظل وحدة فنية رائعة تستند إلى وحدة شعورية ووجدانية وحساسية مفرطة. في لغة متمايزة وتصوير مجازي كل عناصره من بيئة النص ووجدانه.
كل شخصياتها ذات قوس عاطفي حاد، شخصيات متغيرة ومتطورة تطورا طبيعيا سلسا بلا نتوءات شاذة أو غير مبررة، رغم إيقاعها المتواتر الذي اعتمد تقنية الحذف الضمني والحوار والتلخيص البليغ، والمشهد الحالي.
تنتهي من قراءتها وقد أدركت أن الحياة خسارات متتالية بإرادتنا الحرة، ورهاناتنا المتهورة، وأن شخصية مثل فوزان، لم يعرف الفوز في حياته العريضة إلا في سباقين. فوزان فقط هامشيان وحياة مليئة بالحزن والفقد.
من المرات القليلة التي أمتن فيها لجائزة البوكر، التي عرفتنا بكاتب شاب سنا وناضج إبداعا، أدعو أن ينال الجائزة.