إسراء إبراهيم
أصبحت منصات التواصل الاجتماعي تشغل حيزا كبيرا من حياتنا اليومية، وتؤثر بشكل واضح على عاداتنا وسلوكياتنا اليومية. ويحاول الكاتب الصحفي محمد عبد الرحمن، رصد وتحليل سلوكيات الأفراد في الواقع الافتراضي، وتأثيرها النفسي والإنساني على المجتمعات. وذلك من خلال كتابيه “فلسفة البلوك”، و”مدينة المليار رأي” الصادرين عن دار دوّن للنشر والتوزيع.
وفي كتابه “مدينة المليار رأي”، نرى كيف سلط “عبد الرحمن” الضوء على خطورة ما نتعرض له من عادات يومية على “السوشيال ميديا”، وكيف أنها قد تؤثر فينا دون وعي، مما قد يكون له أثرا سلبيا على حياة الأفراد.
ويتحدث الكاتب محمد عبد الرحمن في ذلك الحوار، عن كتابه “مدينة المليار رأي” وكواليس تأليفه، بالإضافة إلى معرفة أسرار أخرى تتعلق بكتاباته ومشروعه الأدبي.
عنوان يعكس المرحلة!
تعاونت مع دار دوّن للنشر والتوزيع مرتين، وأتمنى التعاون للمرة الثالثة. عادةً ما يكون اختيار عنوان الكتاب محل نقاش كبير، ونحاول أن يكون العنوان جذاباً ومرتبطاً بمحتوى الكتاب. العنوان الأصلي للكتاب كان “دليل الأمراض الرقمية”، ولكن مسؤولي النشر بالدار رأوا أن ذلك العنوان قد يبدو تعليمياً أو طبياً، وهو ما يبعده عن الهدف الأساسي للكتاب، ألا وهو فتح نقاش مع القراء حول ما يحدث في وسائل التواصل الاجتماعي، وتسليط الضوء على العيوب التي تحولت إلى أمراض.
في مقدمة الكتاب، ذكرت تعبير مقتبس من مقال لأحد الخبراء الأجانب يقول فيه إن السوشيال ميديا جعلتنا نعيش في “مدينة المليار نسمة”. ومن هنا بدأ النقاش حول العنوان حتى وصلنا إلى “مدينة المليار رأي”، وهو عنوان يعكس المرحلة الحالية.
رحلة البحث عن “مدينة المليار رأي”
بعد أن استقرت الفكرة الرئيسية، بدأت في البحث عن الأمراض التي يمكنني التحدث عنها. فمثلا كانت الشرارة الأولى للكتاب هو فصل “الاجتزاء” الذي كنت أفكر في تقديمه ضمن كتاب مستقل، والذي أصبح جزءا من الكتاب.
بصفتي صحفي كنت منشغلا دوما بفكرة البحث عن النقل والاستنساخ. ومع الوقت، وجدت نفسي أبحث عن أصل الكلمات والظواهر وأترجم بعض الأفكار. بدأت أبحث في فكرة الاقتباسات المجتزأة من سياقها، وفهمت كيف تحولت إلى مشكلة رقمية. ثم تحولت إلى مواضيع أخرى مثل انتشار الصور المسروقة على السوشيال ميديا.
للقراءة|6 أسباب تدفعك لقراءة كتاب “مدينة المليار رأي” لـ محمد عبد الرحمن
عملية كتابة الفصول كانت تتطلب مني الغوص في هذه الظواهر والبحث عنها بعمق. وكلما اكتشفت شيئًا جديدًا وشعرت أنه يمثل مرضًا رقميًا، بدأت أكتب عنه فصلاً بعد فصل. ومع مرور الوقت، تجمعت لدي عدة أمراض رقمية، بعضها لم يكن يكفي لفصل كامل، فجمعتها معًا في فصل واحد، ثم قررت إضافة فصل عن الحلول، وهكذا اكتمل الكتاب.
وعلى الرغم من عدم وجود محتوى عربي كثير حول الموضوع الذي يتناوله الكتاب، إلا أن العمل عليه كان ممتعًا بالنسبة لي، جعلني أترجم بعض الأشياء وأبحث عن مصادر جديدة. أحيانًا أقرأ صفحات كاملة فقط لأحصل جملة واحدة، وهذا كان جيدًا، لأنه جعل المحتوى فريدا ومختلفا. بالعكس، كان ذلك مفيدًا.
سبب بدء الفصول بآيات قرآنية أو اقتباسات
كنت أبحث دائماً عن طريقة لتقديم شيء مختلف. بالنسبة لفصل “الاجتزاء”، بدأت بآية “لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى” لجذب القارئ وجعله يتساءل عن العلاقة. لا أنكر أن بعض الفصول كنت أجد صعوبة في إيجاد عنوان مناسب لها، لكن هذا كان يساعد في تحفيز القارئ. ومع ذلك، هذا الأسلوب ليس شرطًا أن يتكرر في كل مرة؛ قد لا أضع جملة، أو أضع جملة طويلة، أو حتى قصة.
سبب وصف الظواهر بـ الأمراض الرقمية
الحقيقة أن الفكرة جاءت في بداية البحث الأولي. كنت أبحث عن اسم مناسب للكتاب، وكان هناك العديد من الأفكار والأسماء المقترحة مثل “تسونامي السوشيال ميديا” وغيرها. لكنني كصحفي، أدركت أنني لا أستطيع الكتابة عن موضوع دون أن أكون واضحًا بشأن عنوانه وهدفه الأساسي. من هنا بدأت أرى أن الأمر ليس مجرد ظواهر سطحية، كما تناولتها في الكتاب الأول حيث تحدثت عن الناس الذين ينقلون منشورات دون تفكير. بل، تلك الظاهرة تعكس انهيارًا ثقافيًا وأخلاقيًا، وهذا بحد ذاته مرض اجتماعي.
التطور الرقمي جعل ممارسة هذه الأمراض تنتشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي، مما جعلني أصفها بالأمراض الرقمية. في سياق الرقمنة، ومع كل ما تحمله من مزايا، تظهر أيضًا سلبيات، مثل هذه الأمراض. على سبيل المثال، قد ينشر شخص ما شيئًا مسروقًا، وعندما تسأله عن السبب، يبرر الأمر بعذر غير منطقي. هذه الظواهر الرقمية ليست مجرد سلوكيات عابرة؛ بل تكشف عن مشكلات نفسية أعمق.
لقد أدركت أن بعض هؤلاء الأشخاص يعانون من مشكلات نفسية حقيقية، وقد تظهر بوضوح في المجال الرقمي. لو لم يكن هناك وسائل رقمية، ربما كانت هذه المشكلات تبقى ضمن نطاق محدود، ولكن الرقمنة تجعلها تنتشر بسرعة. أيضًا، أصبحت قادراً على تحليل شخصيات المستخدمين بناءً على سلوكياتهم على الإنترنت، وقد اكتشفت أن البعض يكتبون صراحة أنهم يخضعون لعلاج نفسي.
من المهم أن ندرك أن ما يُكتب على الإنترنت قد لا يكون سطحيًا كما يبدو، بل قد يخفي وراءه مرضًا أو أزمة حقيقية. وفي النهاية، بعض السلوكيات المنتشرة على المنصات الرقمية، مثل طلب المال أو التصرفات غير اللائقة، هي مؤشرات على اضطرابات أعمق يجب أن نأخذها على محمل الجد. يمكنني القول إنه لا يوجد مرض أو ظاهرة جديدة ظهرت فجأة.
عن الجمهور المستهدف
دار دوِّن ليست دارًا شبابية فقط. صحيح أن معظم القراء من الشباب، ولكنها تخاطب الجميع في النهاية. ومن قال إن الشباب لا يرغبون في قراءة هذا النوع من الكتب، فهو مخطئ. بالعكس، الشباب هم الجمهور المستهدف الأساسي، لأنهم يدخلون في هذه المواضيع لأول مرة، بخلاف جيلنا الذي تعامل مع وسائل الإعلام التقليدية مثل التلفزيون والراديو. هناك بعض الشباب الذين قد لا يفهمون جيدًا تأثير وسائل التواصل الاجتماعي، وهم بحاجة لقراءة هذا الكتاب لفهم ما يحدث حولهم.
الكتاب موجه لأي شخص يحاول استيعاب الظواهر المستمرة والمتغيرة في وسائل التواصل الاجتماعي. بعد النجاح الذي حققه كتاب “فلسفة البلوك”، شعرت أن هناك جانبًا يحتاج للتطوير والتحليل، ولهذا أتيت بهذا الكتاب لاستكمال الفكرة.
الفارق بين “فلسفة البلوك” و”مدينة المليار رأي”
“فلسفة البلوك” كانت أفكارًا سريعة، للتعليق على ظواهر معينة. أما “مدينة المليار رأي” فهو دراسة أكثر عمقا في الموضوع. وبالفعل، أفادني شخصيًا، حيث تعلمت أسماء أشخاص، ومذاهب، ومدارس تعليمية أثناء محاولة فهم تلك الظواهر. وكلما اكتشفت شيئًا جديدًا وشعرت أنه يمثل مرضًا رقميًا، بدأت أكتب عنه فصلاً بعد فصل.
كلا الكتابين يتعلقان بـ”السوشيال ميديا”، لكن بأسلوب وتناول ومعالجة مختلفة. في “فلسفة البلوك”، كنت أركز على التعبير عن رؤيتي الشخصية وما أراه يحدث حولي. أما في الكتاب الثاني، فكان اهتمامي منصبًا على معرفة كيف يرى العالم تلك الظاهرة ويتفاعل معها، أي أنني بحثت في ما يقوله الآخرون عنها.
للقراءة| 6 أسباب لقراءة كتاب “فلسفة البلوك” لـ محمد عبد الرحمن
هل سيكتب محمد عبد الرحمن عن “السوشيال ميديا” مرة أخرى؟
لن أكتب مرة أخرى في هذا الموضوع إلا إذا حدث شيء استثنائي. ربما أكتب شيئًا عن تأثير السوشيال ميديا على الإعلام، ولكن سيكون ذلك كتابًا علميًا أو في مجال الصحافة. لن أكتب موضوعًا مشابهًا لما كتبت من قبل. قد أكتب شيئًا آخر بالطبع، لدينا مشروع مؤجل. قد أكتب عن موضوع يتضمن خلفية حول ما يحدث مع السوشيال ميديا، لكنها لن تكون الموضوع الرئيسي أو المحوري.
لدي مشاريع أخرى، وأتمنى أن أتمكن من تحقيقها من خلال تعاوني مع دار دوّن للنشر والتوزيع، إذا كان ذلك مناسبًا.
التحدي بين كتابة الكتب والمنافسة مع الروايات
أعتقد أن لدينا نحن المؤلفين مشكلة كبيرة، حيث إن 90% من القراء يفضلون الروايات، وهذه أزمة كبيرة. كتابي أدبي ولكنه مكتوب بأسلوب مقالي، بطريقة لطيفة، وليس كتابًا علميًا جافًا. لذلك أحاول دائمًا أن أجعل القراء يشعرون بالاهتمام ويجدون شيئًا جذابًا حتى في تسمية الفصول.
الكتاب يختلف عن الروايات لأن قراء الكتب غالبًا ما يأتون بناءً على اهتماماتهم الشخصية؛ إذا كانوا مهتمين بموضوع معين أو يحبون الكتب، فسوف يقرؤون. أما جمهور الروايات فله طبيعة مختلفة، مما يجعل المنافسة معها صعبة للغاية.
الكتابة خارج النوع!
كل تجربة تأتي بظروفها، على سبيل المثال لقد كتبت كتابين سيتم نشرهما في المملكة العربية السعودية، ويتناولان قضايا مهنية وفنية. لدي مشروع يتعلق بأحد الممثلين وأفكر في الكتابة عنه، وقد أقرر غداً الكتابة عن تجربة معينة.
قد أكتب سيرة ذاتية، هناك أمور لا يمكنني الإفصاح عنها. ما يهمني هو أن تظل المشاريع قيد التنفيذ وأن يتم إنجاز بعضها، ولا يحدث توقف أو قرار ثابت.
الأهم هو أنني لا أخرج عن دائرة الكتابة، فأنا لا أشعر بضرورة كتابة رواية بالذات. قد جربت نفسي في القصص القصيرة، ورغم الإشادات، لم أكمل، ولكنني أشعر أنه من الأفضل أن أركز على مجالي الأساسي وأقوم بتقديم تنويعات فيه. قد يكون الأمر متعلقاً باكتشاف كتاب نادر أو معلومات عن أفلام غير مشهورة، أي شيء في هذا الإطار. الأفكار دائماً موجودة، وإذا قررت القيام بتجربة أدبية، سأفعلها لنفسي. إذا نجحت، سأكون سعيداً، لكنني لا أفعلها من أجل الجوائز أو أن يقرأها الناس فقط.
كان الهدف من كتاب “مدينة المليار رأي” أن يقدم معلومات وخلفيات، لا أن يكون مجرد آراء شخصية. لكن للأسف، تواجه هذه النوعية من الكتب مشكلة في التصنيف، فهي لا تُعتبر كتبًا علمية منهجية، وفي نفس الوقت ليست موجهة للجمهور العريض. وبالتالي، يقرأها المتخصصون أو من يرغبون في معرفة المزيد. هذه الكتب لا تحظى بتصنيفات في الجوائز الأدبية، حيث يُنظر إليها على أنها دراسات إنسانية، لكنها في النهاية تجد نفسها في مواجهة كتب ضخمة.
أزمة الأدب الساخر
هناك نقطتان أرغب في توضيحهما: الأولى، عندما أكتب في المواقع الصحفية أو في الكتب، أجد نفسي أكثر جدية في التعبير عن الأفكار، لأن الكتابة الساخرة ترتبط بشكل أكبر بالقضايا السياسية، وهذه المواضيع ليست متاحة بشكل كبير في الظروف الحالية.
أما النقطة الثانية، فتتعلق برؤية دور النشر. أحياناً يقولون إن الوقت الحالي ليس مناسباً لنشر كتاب ساخر.
لكن في نفس الوقت، أرى أنه لم يعد بالإمكان كتابة الأدب الساخر بحرية كما كان في السابق، هذا النوع من الكتابة الساخرة غير موجود بشكل كبير الآن، ولا أدري السبب.
الانفتاح على تجارب جديدة
لا أعتبر أن لدي “مشروع أدبي” محدد بالمعنى التقليدي. بالعكس، أرغب في الاستمرار في إصدار الكتب وأرى أن هذه المرحلة أصبحت مهمة لي بعد انتقالي من العمل الصحفي إلى العمل على الكتب. ولكن، الموضوع يحتاج إلى تفرغ ودوافع أكبر حتى أتمكن من إصدار الكتب بانتظام. وبصراحة، أنا لست ضد التنوع، فلا أرى مشكلة في أن أكتب في مجالات مختلفة. على سبيل المثال، قمت بكتابة كتاب بعنوان “مهارات الصحافة السينمائية” وآخر عن “تقنيات الفيلم القصير”، ومن الممكن أن أقدم كتبًا أخرى في مجالات مختلفة. بالنسبة لي، الكتابة ليست مجرد إصدار كتاب، بل هي فرصة للناس للاستفادة ولي أيضًا للتعلم والتطوير.
أنا منفتح على أي تجربة جديدة، بشرط أن تضيف شيئًا جديدًا. أحيانًا أفكر في موضوع معين ثم أكتشف أنه تم تناوله من قبل أو أنه غير قابل للتنفيذ بالطريقة التي أتصورها، لذا من المهم أن تكون هناك مرحلة تحضيرية قبل البدء في الكتابة.