إسراء إبراهيم
في ذكرى ميلاد نبيل فاروق رائد أدب الجاسوسية والمغامرات والخيال العلمي، نبحث في سيرته عن تأثيره على أجيال كاملة، لا زالت تعتبره الأب الروحي لهم، ومنارتهم الأولى التي جعلتهم يخطون خطواتهم الأولى في عالم القراءة والأدب.
لا يمكن نكران فضله وتأثيره في دفع الشباب على القراءة، بل ودمجهم في عوالم صعبة كعالم الخيال العلمي والجاسوسية والمخابرات. فعلى مدار عقود ظل متربعا على عرش الأكثر مبيعا لكتب الشباب والمراهقين.
لماذا نبيل فاروق؟
مع بداية مشروع “روايات مصرية للجيب” الصادر عن المؤسسة العربية الحديثة عام 1984، كان “فاروق” يحمل المشروع على عاتقه، وكان كفيلا بنجاحه، فأصبح واحدا من رواد أدب النشء في العالم العربي. واستمر نجم المؤسسة لسنوات حتى ظهور منافسه الأقوى أحمد خالد توفيق، والذي أدخله المنافسة بنفسه عندما اختاره لتنشر له المؤسسة العربية الحديثة أعماله آنذاك.
للقراءة| في الذكرى الخامسة لرحيله.. كيف أثر فينا أحمد خالد توفيق؟
كانت أعماله هي بداية رحلة القراءة واكتشاف عوالم الأدب، وسكن وجدان الطفولة بتأثيره الذي يُشبه “أثر الفراشة”، فرغم كتابته للمراهقين، إلا أنه كان عنصرا رئيسيا في بناء شخصياتهم وعقولهم، من خلال فتح مدارك وآفاق داخل أدمغتهم للتعلم والاستكشاف ودفعهم للخيال والتفكير، فعوالمه كانت سحرية تدفعك للتفكير والتخيل ورسم صورة أوضح لما هو مكتوب، ففتح أعين القراء على أنواع من الأدب لم يكن ليتجه إليها المراهقون في ذلك السن، من خلال “روايات الجيب” و”سلاسل المغامرات” و”أدب الرعب” و”الأدب البوليسي” و”الخيال العلمي”. فأصبح صديق صديق الطفولة وسنوات المراهقة وخلق الخيال.
لم تكن المعرفة سائلة في ذلك الوقت كما هو العصر الحالي، فكانت مقتصرة على ما تقرأه وتبحث عنه وتحاول استكشافك المستمر له، ومن خلال كتابات “فاروق” كانت المعلومات وفتح طرق الاستكشاف تنساب مع كل عمل إلى داخلنا. وظل نجم الطفولة الأول وتمتع بجماهيرية كبرى دون اصطناع بل حبا فيما خلقه لنفسه من عوالم.
إنتاج غزير
بدأت رحلته التي أثرت عوالم الشباب والمراهقين مع المؤسسة العربية الحديثة مع “روايات مصرية للجيب”، بصدور أول أعداد من سلسلة “رجل المستحيل” عام 1984، بعنوان “الاختفاء الغامض”، وكان وقتها لا زال شابا. وكان مشروعه الأدبي يستهدف وعي الشباب ووجدانهم الوطني. وعلّم الشباب طريق البطولات المخابراتية بشكل سلسل.
الطبيب الجراح بدأ رحلته مع تأليف روايات الجيب بفرعيها “أدب الجاسوسية والمخابرات” و”أدب الخيال العلمي” وهو طالب في كلية الطب بجامعة طنطا، ثم انطلق عقب تخرجه في كلية الطب بجامعة طنطا، في إصدار عدد من السلاسل بعد أن تقدم لمسابقة نظمتها المؤسسة العربية الحديثة (لصاحبها المرحوم حمدي مصطفى) في أدب الخيال العلمي، وتقدم لها نبيل فاروق بقصته “أشعة الموت” وفازت بالمركز الأول، فتعاقدت معه المؤسسة العربية الحديثة على إصدار سلاسل موجهة للشباب؛ كان أشهرها “رجل المستحيل” و”ملف المستقبل”.
وبتخصص “فاروق” في تلك النوعية من الكتابة، سار على خطى أشهر المتخصصين في كتابة الرواية البوليسية وأدب الإثارة والتشويق وأدب الجاسوسية والمخابرات، وهما المرحوم محمود سالم، والكاتب الكبير صالح مرسي مؤسس ورائد أدب الجاسوسية.
وكانت السلسلتين من أنجح سلاسل الأدب الموجهة للنشء في تلك الفترة، وحققت مبيعات قياسية وفقا لزمنها. وقدّم بعدهما سلسلة رومانسية موجهة للشباب بعنوان (زهور). وخلال عامين فقط غَزَت “روايات مصرية للجيب” العالم العربي.
وخلال الفترة من 1987 حتى 2000 قدم نبيل فاروق عشرات المئات من الأعمال، وتحولت بعض أعماله في الجاسوسية إلى أفلام ومسلسلات منها فيلم “الرهينة” ومسلسل “العميل 1001” ومسلسل كارتون بعنوان “بطل من سيناء” المأخوذ عن قصته “جاسوس سيناء”.
في أواخر الثمانينيات، كان “فاروق” وصل لمرحلة كبيرة من النجاح، دفعته لكتابة ما يقرب من 6 سلاسل في وقت واحد، وجميعها لاقت نجاحا قريبا من سلسلة “رجل المستحيل”.
25 عاما.. رواية “أرزاق”
رغم شهرته بـ”روايات الجيب” وأدب الخيال العلمي والجاسوسية، إلا أنه أحدث طفرة نوعية في كتابته، من خلال روايته “أرزاق” التي كتب على غلافها الخارجي “رواية اجتماعية طويلة”، وقد كتبها على مدار نحو 25 سنة، متتبعا فيها رحلة صعود وانهيار عائلة “البنهاوي” مع ثورة يوليو عام 1952 وصولا إلى عقد اتفاقية السلام مع إسرائيل عام 1978.
نشرت الرواية مسلسلة لأول مرة عبر سلسلة “كوكتيل 2000” التي صدر عددها الأول عام 1989، ثم نشر الجزأين الثاني والثالث في كتابين منفصلين عامي 1993 و1995، وصدر الجزء الرابع والأخير عام 2015 بعد انتظار 20 عاما.
رواية “أرزاق” عامرة بالعديد من العلاقات الاجتماعية المتشعبة التي يتكشف من خلالها التحول الاجتماعي والسياسي في المجتمع على مدار عقود. وتتناول شخصيات تاريخية مهمة في تاريخ مصر.
المفارقة
لم يتوقف عطاء نبيل فاروق وأثره على حياة القراء، بأعماله فقط، بل امتد لما هو أكبر من ذلك، فبرغم شهرته وتربعه على عرض مبيعات “المؤسسة العربية الحديثة” لسنوات، فقد جلب بنفسه منافسا قويا له، وأصبح من يومها اسمهما مرتبطا ببعضهما. فقد ساهم في اكتشاف الكاتب الراحل الدكتور أحمد خالد توفيق، الذي ارتبط هو أيضا بأدب النشء والمراهقين.
رغم أن أول لقاء فعلي بالصديقين الكتاب كان في التسعينات، إلا أن اسميهما اجتمع لأول مرة عام 1977 في مجلة “تان تان”، في صفحة تملؤها أشعار صاحب أحمد خالد توفيق وكان وقتها يبلغ من العمر 15 عاما، ورسومات الشاب الجامعي نبيل فاروق رمضان.
وتمر السنوات ويجتمع الثنائي تحت راية المؤسسة العربية الحديثة للنشر، إذ اختار وقتها نجم المؤسسة الأول والمسئول عن النشر دكتور نبيل فاروق، الكاتب الشاب الذي يبحث عن فرصة لنشر روايته القصيرة الأولى عن الكونت دراكيولا، ويصر “فاروق” على نشر الرواية رغم رفضها في المرة الأولى اقتناعًا منه بموهبة “توفيق” وكتاباته المختلفة.
الفرصة التي منحها نبيل فاروق لرفيق دربه الأدبي أحمد خالد توفيق، فتحت أبوابا واسعة للأخير وفسحت له المجال لينافس مكتشفه في قلوب الشباب، ويساهم في تغذية عقولهم بالأدب، وصار “توفيق” يخطو خطوات سريعة وقريبة من الشباب، كانت تلك الخطوات من الممكن أن تهدد عرش نبيل فاروق، إلا أن ثقته بنفسه وأمانته في إعطاء الفرص، جعلتهما منافسان قويان لكن لكل منهما طريقته، وتصدر الثنائي قوائم الكتب الأكثر مبيعًا لسنوات طويلة، وأثر كل منهما على جيل كامل.
كل منهما حصد نجاحًا كبيرًا حتى أن “فاروق” حصل على جائزة الدولة التشجيعية في الأدب عام 2008، كما تم تكريم “توفيق” في جائزة الرواية العربية عام 2016. ولسنوات طويلة لم ينكر “توفيق” فضل “فاروق” عليه، وردد في العديد من اللقاءات جملة: “نبيل فاروق هو صاحب الفضل في خروج سلسلة ما وراء الطبيعة إلى النور”.
انتهت رحلة الصداقة والمنافسة بوفاة “توفيق” في أبريل 2018، ولحق به نبيل فاروق في ديسمبر 2020. ورغم وفاة الثنائي إلا أن إنتاجهما الأدبي لا زال موجودا، ولا زالا يتنافسان، ولا يزال اسميهما مرتبطا.
وكان “فاروق” يقول عن صداقتهما: “بيننا رابط غريب، إحنا الاتنين كنا خريجين طب، ومواليد طنطا، واكتشفنا إننا كنا ساكنين في نفس المنطقة وبينا شارع واحد”.
من الطفولة لعوالم المعرفة
بطريقة غير مفهومة لدينا كأطفال، ساهمت كتابات “فاروق” في وجداننا بالانتماء للوطن، فعالم “رجل المستحيل” جعلنا نتعرف وننتمي أكثر للوطن، وبقلمه تعرفنا على بطولات جهاز المخابرات. وعرفنا في سن مبكرة أسماء مخابرات الدول الكبرى، ومعلومات أخرى كثيرة. وأصبح “أدهم صبري” رجل المخابرات المصري الذي لا يقهر، وكان واحدا من أبطالنا الخارقين.
من خلال سلسلة “ملف المستقبل” علمنا العديد من الأفكار العلمية التي لم يكن لها تفسيرا علميا، وكانت تُقدم على أنها نوع من أنواع الفانتازيا والخيال، فلم نستغرب عندما تطرق الفيلم العالمي Interstellar لفكرة السفر عبر الأزمان، ومصطلح “الزمكان”، لأننا قرأنا ذلك بقلم “فاروق”، لم نكن مدركين وقتها لم يتم صنعه في أدمغتنا لكن أثر فراشته لا زال مستمرا، وكلما كبرنا كلما فهمنا مدى تأثرنا بالبسيط الذي كان يُقدم.
تطرق أيضا “فاروق” من خلال كتاباته للحضارة المصرية القديمة ورموزها، وكان يحاول إيجاد تفسيرات لأشكالها ورموزها الموجودة على المعابد. وتطرق لموضوعات غريبة عديدة وحاول تفسير تلك الظواهر ومنها “مثلث برمودا”، ومعه تعرفنا على أغرب الظواهر في العالم وكنا في سن صغير، ما جعلنا نكتسب ثقافة ومعرفة أوسع ممن حولنا ولا يقرأون. صنع لنا طفولة ومراهقة عامرة بالخيال والتفكير، ورسم عوالم محيطة لم تكن موجودة إلا في خيالنا.
رغم الرحيل.. الإصدارات مستمرة
رغم رحيل الدكتور نبيل فاروق منذ أكثر من 3 سنوات، إلا أنه لا زال حاضرا بقوة بإصداراته المتنوعة، وإعادة نشر أعماله في عدة دور نشر مصرية، ومنها المؤسسة العربية الحديثة التي أعادت طبع أشهر سلاسله التي قدمها في روايات مصرية للجيب، وذلك بمعرض القاهرة الدولي للكتاب 2024.
كما أن دار دوِّن للنشر والتوزيع، كان لها حظا من الاهتمام بأعمال الكاتب الراحل، وأصدرت أحدث إصداراتها له بمعرض الكتاب المُنقضي بعنوان “الستار الأسود” الجزء الرابع، كما أصدرت من قبل الأعمال الكاملة له من القصص القصيرة.
لشراء أعمال الكاتب نبيل فاروق (من هنــــــــــــــــــــــــــــــا)