الإثنين, مايو 13, 2024
Dawen APP
الرئيسيةمقالاتفي الذكرى الخامسة لرحيله.. كيف أثر فينا أحمد خالد توفيق؟

في الذكرى الخامسة لرحيله.. كيف أثر فينا أحمد خالد توفيق؟

إسراء إبراهيم

لا يمكن لمنصف مهما اختلفت اهتماماته وآراءه أن ينكر أثر الكاتب الدكتور أحمد خالد توفيق، الذي يوافق اليوم 2 إبريل الذكرى الخامسة لرحيله، ليس فقط لإنتاجه الأدبي الغزير، بل أيضا لأن كتاباته كانت بمثابة الباب الكبير الذي فتح العالم على مصرعيه أمام الأجيال الجديدة، وساعد على دخول الملايين إلى عالم القراءة.

خلق “توفيق” حالة خاصة مع قرائه، استطاع من خلالها أن يعبر عن أحلامهم وآلامهم وخيباتهم، ليعطوه عن استحقاق لقب “العراب” وتصبح جنازته واحدة من العلامات الكبرى في الأوساط الثقافية، بعد أن ودعه ورثاه الآلاف من الشباب.

جعل الشباب يقرأون

استطاع “توفيق” أن يصل إلى شريحة كبيرة من القراء خاصة فئة المراهقين الذين بدأوا رحلة القراءة معه وعبر كتاباته المختلفة، فلم يكن يتوقع بعد رفض نشر قصته الأولى عن “الكونت دراكيولا” في سلسلة ما وراء الطبيعة أكثر من مرة، أن تنال كل ذلك الحظ من الشهرة والانتشار، بدأت الحكاية عام 1993 بعدما أعدت المؤسسة العربية الحديثة لجنة لتقييم أعماله الأدبية بعدما تعرضت للرفض أكثر من مرة، لينجح الكاتب نبيل فاروق في إقناع المؤسسة العربية الحديثة بالنشر لتوفيق معلنا لهم عن كاتب كبير منتظر، لتستمر رحلة الكتابة في تلك السلسلة ما يقرب من 21 عاما، ولم يكتفِ “توفيق” بسلسلة ما وراء الطبيعة بل كتب أيضا سلاسل “فانتازيا” و”سافاري” وحققا نجاحا يقترب من نجاح ما وراء الطبيعة.

وعلى مدار 21 عاما، لم يبخل “توفيق” في كتاباته عن فتح عوالم مختلفة للنشء للإطلاع عليها، فمن خلاله شاهد العديد من محبيه أفلاما عالمية سمع عنه لأول مرة في كتبه، وقرأ عن أساطير وكتاب وأدباء عرف عنهم من خلاله، وقدّم لونًا مختلفًا من الأدب لم يعتد عليه القارئ العربي في ذلك الوقت، فكانت كتاباته بوابة لعالم القراءة الأكبر وسط لغة بسيطة يقدمها لجيل يحتاج لتوجيه وتثقيف بما يناسب عمره.

كان يمهد من خلال ما يكتبه لعوالم كتاب كبار منهم أجاثا كريستي وديستوفيسكي وكافكا وإدجار ألان بو وأوسكار وايلد وآخرين، فكان يسعى دوما لأن يبحث القارئ بمفرده عن عوالمه التي يُفضلها في القراءة والمعرفة دون فرض منه، فكان يدفع فضولك المعرفي للاستزادة في المعرفة والتحصيل والبحث عن ما ذكره من معلومة خاطفة داخل قصة أو كتاب مما قدمهم.

ودون تدخل منه أو سعيا للشهرة، تصدرت أعماله قوائم الأكثر مبيعا لسنوات، حتى بعد وفاته فجعل العديد من دور النشر تتسابق على إعادة نشر أعماله، أو تجميع مقالاته في الصحف والمواقع في كتب جديدة، فاكتسب شهرة كاسحة ورغم ذلك احتفظ ببعده عن الأضواء والشهرة، وعاش في صومعة الكتابة التي جعلت الجميع يشعر بالصدمة من كم المحبة غير المفهوم الذي ملء الدنيا بخبر وفاته، وجعل الشباب يبكونه بدموعهم كأنه فردا من أفراد عائلتهم المقربين، وتجمعوا في جنازته وأمام قبره ليرسلون له رسائل المحبة.

أخلص أحمد خالد توفيق لرسالته المهنية وحبه للكتابة، ورغبته الشديدة في جعل الشباب يقرأون، فوصلت رسالته للشباب بإخلاص وحب وارتبط اسمه بجيل كامل.

ورغم أنه كان يرى أن القارئ لا يريد معرفة شيئا عن كاتبه المفضل، كما يقول :”لا أعتقد أن هناك كثيرين يريدون معرفة أى شىء عن المؤلف.. فأنا أعتبر نفسى ـ بلا أي تواضع ـ شخصاً مملاً إلى حد يثير الغيظ.. الخلاصة أننا محظوظون لأننا لم نمت خجلاً من زمن من فرط جهلنا وضعفنا”. وكان هو محظوظا بحب الشباب.

إثراء المكتبة العربية
على الرغم من نجاح أحمد خالد توفيق في سلاسل روايات الجيب وأدب النشء، إلا أنه لم يتوقف عن النجاح فأصدر روايته الأولى “يوتيوبيا” عام 2008 التي حملت حظا كبيرا من الشهرة هي الأخرى، ولعلها أبرز الروايات التي تُذكر من أعماله، وتٌرجمت الرواية لعدة لغات حول العالم. وأصدر كذلك “سر الغرفة 207” عام 2008، وبعدها رواية “حظك اليوم” عام 2010، و”السنجة” عام 2012 و”مثل إيكاروس” عام 2015، ورواية “في ممر الفئران” التي صدرت عام 2016، و”شآبيب” عام 2018.

حاول “توفيق” تقديم لون أدبي غير منتشر في عالمنا العربي، فكانت كتاباته الأدبية يغلب عليها طابع السخرية، بالإضافة إلى التطرق لأساطير الرعب العالمية التي كانت غائبة لسنوات عن أدبنا العربي، كما حاول إدخال أدب “الديستوبيا” للمنطقة، فكانت أبرز رواياته في ذلك الإطار هما “يوتوبيا” و”في ممر الفئران” فاتسمت كل منهما بسوداوية شديدة، خاصة في ممر الفئران التي كتبها “توفيق” بعد مروره بتجربة موت صغير عام 2011، إذ توقف قلبه للحظات، وصار بعدها يتحدث عن الظلام والموت بنظرة فلسفية عميقة، وكان دوما يعبر عن أنه في انتظار محطته الأخيرة في رحلة العمر.

ورغم تألق كتاباته الأدبية، إلا أن أحمد خالد توفيق كان له بصمة خاصة في كتابة العديد من المقالات عن موضوعات عديدة في كافة المجالات، وكان صوتا يحبه الشباب ويعبر عنهم خاصة في ظل الأزمات السياسية، لأنه كان دوما يعبر عن رأيه دون انحياز لأي فئة فلم يكن محسوبا على أي تيار سياسي، فحاول أن يكون صوت الحقيقة، لذلك نال إعجابا كبيرا بما يكتبه ويعبر عنه من آراء. وقدم كذلك العشرات من القصص القصيرة والكتب المتنوعة التي لاقت رواجا كبير منها: “عقل بلا جسد” و”قهوة باليورانيوم” و”الآن نفتح الصندوق” و”زغازيغ” و”لست وحدك” و”شاي بالنعناع” و”الآن أفهم” و”خواطر سطحية سخيفة” و”شربة الحاج داود” و”أفراح المقبرة” و”اللغز وراء السطور” و”قصاصات قابلة للحرق”.

كما كان له بصمة مميزة في ترجمة وتعريب العديد من الروايات الغربية، منها: “نادي القتال” و”كتاب المقبرة” و”عداء الطائرة الورقية” و”تشي جيفارا” و”ديرمافوريا”. ليظل بكل تلك الأعمال والتنوع الأدبي باقيا في أذهان أجيال أحبت ما يقدمه من فكر وفلسفة ممزوجة بنظرة ساخرة.

حضور طاغِ رغم الغياب
كان حلم الكاتب الراحل أن يرى أعماله على شاشة التلفزيون أو السينما، لكن العمر لم يمنحه فرصة ليرى نجاحه الفني بجانب نجاحه الأدبي، لكن محبيه عزموا على تنفيذ أحلامه حتى لو كان قد غادرنا بجسده. ففي عام 2019 بعد رحيله بعام أٌنتج مسلسل “زودياك” المأخوذ عن المجموعة القصصية “حظك اليوم”، ولاقى المسلسل اهتماما ورواجا كبيرا وقت عرضه.


وفي عام 2020، كان محبي “توفيق” في انتظار العمل الأهم الذين تشوقوا بشدة لرؤيته على الشاشة، فأنتجت منصة نتفليكس العالمية مسلسل “ما وراء الطبيعة” من بطولة الفنان أحمد أمين، وأحدث العمل جدلا كبيرا واهتماما، وتصدر الاهتمام به منصات التواصل الاجتماعي، وأثير الجدل حول الطريقة المثلى التي كان يجب أن يظهر بها العمل. لكن “توفيق” كان يرى أن يتبع نظرية نجيب محفوظ حول أعماله الفنية التي تُقدم، إذ يرى أن العمل الأدبي يخصه، والفني يخص صناعه.

وفي عام 2022، أنتجت منصة شاهد مسلسل “الغرفة 207” المأخوذ عن رواية “سر الغرفة 207″، من بطولة محمد فراج، وأثنى العديدون على المسلسل ونجاحه. والملاحظ في كل عمل يتم الإعلان عن تنفيذه مأخوذا عن كتابات أحمد خالد توفيق، يتصدر فيه اسم الراحل محركات البحث ووسائل التواصل الاجتماعي نتيجة الاهتمام الكبير من محبيه.

وقبل شهر أعلنت منصة “أبجد” عن حصولها على الحقوق الأدبية لسلسة “ما وراء الطبيعة” لنشرها إلكترونيا، ونا الخبر استحسانا كبيرا من محبي أحمد خالد توفيق الذين عبروا عن فرحتهم باستمرار إنتاجه الأدبي. كما تم إنتاج كتاب صوتي بصوت الفنان أحمد أمن، قبل أسابيع بعنوان “أسطورة أحمد خالد توفيق” عن سيرة الكاتب الراحل وشخصيته الأشهر في كتاباته “رفعت إسماعيل”.

لم يترك أحمد خالد توفيق لمحبيه بعض الكلمات على ورق، بل ترك إرثا معرفيا هائلا، وجعل الشباب يتجهون للمعرفة من خلاله، لذلك فإن الحفاوة التي يقابل بها اسم أحمد خالد توفيق ستظل مستمرة لسنوات عديدة، نتيجة ما قدمه بحب ليجعل الشباب يقرأون، وسيظل اسمه متصدرا المشهد لسنوات عديدة مقبلة، فلا يوجد خاسر في الكتابة كما ذكر الروائي طارق إمام، فهو راهن على عدم الخسارة وقد نجح، ومات لتحيا سيرته وإثره الأدبي لسنوات وسنوات لن تنتهي.

مقالات ذات صلة
- Advertisment -

الأكثر شهرة

احدث التعليقات