طالما كان الاحتفال برمضان في مصر ذو طابع خاص؛ متفرد عن باقي شعوب العالم الإسلامي، حيث كان المصريون يحتفلون به أيما احتفال، فتضاء الطرقات وتعلق الزينات وتلتهب شوارع مصر بالطقوس الرمضانية المثيرة، حتى أن المؤرخ المصري “تقي الدين المقريزي” أطلق على ليالي رمضان في مصر بأنها؛ (ليالي الوقود) نسبة إلى كثرة الإضاءة المنتثرة في شوارع مصر والقاهرة تحديدا.
والمصريون في العصر الحديث قسموا رمضان لثلاثة أقسام، فالعشرة الأوائل كانوا يطلقون عليها (ليالي المرق)؛ نسبة إلى اهتمام المصريين بالموائد والعناية بالأطعمة، فلا تخلو مائدة من موائد المصريين إلا وامتلأت عن آخرها (بالمحمر والمشمر). ثم يتلو عشرة المرق، بعشرة (ليالي الخرق)، أي ليالي شراء ملابس العيد والألبسة الجديدة، أما العشرة الأخيرة فتسمى (ليالي الكعك)، حيث تتشارك النساء في مصر في صناعة كعك العيد والبسكويت وغيره من الحلويات.
وكان لاهتمام المصريين بشهر رمضان مظاهر مثيرة وجميلة، بداية من الاهتمام والعناية الفائقة برؤية الهلال، وكما كان يحتفل الناس برؤية الهلال؛ اهتم أيضا الحكام والأمراء وأصحاب المناصب بالاحتفال؛ فقد حرصوا على الصعود إلى الأماكن العالية صحبة القضاة والشهود العدول لرؤية الهلال. وقد احتفظت المصادر التاريخية بمعلومات تفصيلية عن تطور مظاهر الاحتفال بهلال رمضان في مصر، فيرصد لنا الدكتور أحمد الصاوي في كتابه “رمضان زمان”، عن مواكب المصريين لرؤية الهلال فيقول:
(فكانت طوائف الشعب المختلفة تشارك القضاة في رؤية الهلال خاصة التجار ورؤساء الطوائف والصناعات وأهالي الحارات، فإذا تحققوا من رؤيته أضيئت الأنوار على الدكاكين وخرج قاضي القضاة في موكب تحف به الفوانيس بالشموع والمشاعل حتى يصل إلى داره ثم تتفرق الطوائف في أحيائها معلنة الصيام).
كما رصد لنا الرحالة المغربي الشهير ابن بطوطة، في رحلته لمصر في رمضان 727 هجريا، بوصف شائق لاستطلاع هلال رمضان في مدينة أبيار بوسط الدلتا عندما مر عليها فيقول:
“…. ولقيت بأبيار قاضيها عز الدين المليجي الشافعي، وهو كريم الشمائل كبير القدر. حضرت عنده مرة يوم الركبة، وهم يسمون ذلك يوم ارتقاب هلال رمضان. وعادتهم فيه أن يجتمع فقهاء المدينة ووجوهها بعد العصر من اليوم التاسع والعشرين لشعبان بدار القاضي، ويقف على الباب نقيب المتعممين، وهو ذو شارة وهيئة حسنة. فإذا أتى أحد الفقهاء أو الوجوه، تلقاه ذلك النقيب، ومشى بين يديه قائلاً: بسم الله، سيدنا فلان الدين فيسمع القاضي ومن معه فيقومون له ويجلسه النقيب في موضع يليق به. فإذا تكاملوا هنالك، ركب القاضي وركب من معه أجمعون، وتبعهم جميع من بالمدينة من الرجال والنساء والصبيان وينتهون إلى موضع مرتفع خارج المدينة، وهو مرتقب الهلال عندهم، وقد فرش ذلك الموضع بالبسط والفرش، فينزل فيه القاضي ومن معه فيرتقبون الهلال، ثم يعودون إلى المدينة بعد صلاة المغرب وبين أيديهم الشمع والمشاعل والفوانيس. ويوقد أهل الحوانيت بحوانيتهم الشمع، ويصل الناس مع القاضي إلى داره، ثم ينصرفون هكذا فعلهم في كل سنة”.