كتب: أيمن حويرة
“بعض الأمنيات خطرة. أحيانًا يكون علينا أن نتخلى عن الأماني التي ترفض أن تكتمل، أن ننسى الماضي معها، إن جزءًا من تعلُّقِنا بهذه الآمال الكاذبة هي لأنها جزء من ماضينا، جزء من أرواحنا، ولكن من أقرَّ هذه الأحلام إلا نحن؟ بعض الأشياء مقدسة؛ لأنه مرَّ عليها الوقت ليس أكثر، نحن لا نولد بأحلامنا، ولكننا نخلقها، ونضيفها إلى ذواتنا، كأنها أجنحة تجعلنا نطير، لكن.. من قال إنه لو قُصَّت هذه الأجنحة سنموت؟ ربما استطعنا وقتها أن نرى ما ينتظرنا فوق الأرض، ربما ما نريده حقًّا هو تحت أرجلنا، وليس في سابع سماء.. ربما هو تحت حَجَر في مكان ما. يجب علينا أن نتصالح مع الحياة، بكل ما فيها من ألم وخذلان؛ لأن بعض الأماني لا تتحقق، بعض الأماني لا تأتي، ولا نملك إلا أن نتركها ترحل بعيدًا ولا نضيع أعمارنا بالركض وراءها”.
لخصت رسالة ميتسي لمرعي درسًا ملهمًا في الحياة، استطاعت تلك السيدة الإنجليزية أن تنكأ بكلماتها جروح أبطال الرواية الأربعة: سليم ومرعي، فوزان وعايدة، وجرحها هي أيضًا. كل منهم طارد أمنية لم تتحقق، توقفت حياته وانتظر هذا الأمل الكاذب لتأتي شمعة وتوقظهم جميعًا من هذا الوهم.
غلام فوق فرس بيضاء، تُمسك بلجامها امرأة أجنبية، تنظر للعدسة بهدوء، وعلى جانبيها رجلان؛ أحدهما عابس ينظر للعدسة نظرة كئيبة، بينما الآخر بفمه سيجارة ويضع يديه في وسطه بزهو! هذه هي الصورة الحقيقية التي التقطتها عدسات الكاميرا في يوم اقترب -أو ظن- أبطالنا أن أمنياتهم قد أوشكت على التحقق.
صورة بالأبيض والأسود يغلفها حزن ميتسي وعبوس سليم، بينما صورة أخرى أكثر جمالًا يرى فيها فوزان نفسه ممتطيًا ظهر شمعة وعلى مقربة سليم أفندي حقي، يضع يديه في جيبه، ويستند إلى الأتوموبيل الأسود، وبجواره الست ميتسي الإنجليزية تضحك، ومرعي أفندي المصري يستند برجله على إطار الأتوموبيل وينفث دخان سيجارته، صورة تمناها فوزان ولم تحدث، تضحك فيها الليدي الإنجليزية ويستعيد سليم كبريائه ومرعي طموحه.
يقول “المرسي” في السطور الأولى للرواية أن فوزان مات دون أمنيات لكنني أرى أن شمعة كانت أمنية فوزان، أمنيته التي حررته من قيوده كما حررها هو حين أسقط الكاسكيت من فوق رأسه، وأخرج قدميه من الركاب، ولفهما على بطنها، وبدلًا من أن يشد اللجام تركه، وأمسك بشعر مَعْرفتها، وانطلق! حقق أمنيته الأولى، وحين عجز عن تكرار الأمر ضاعف سرعته، وشقّ الصف الذي أمامه، وخرج إلى أطراف المضمار بعيدًا عن المعركة حتى خُيل للجميع أنه هُزم لكنه عاد مرة أخرى وانتصر. انتصر حين انتقم من برجس، وحين آنس ليالي عايدة الطويلة، وحين عاش حتى بلغ السبعين من عمره ومات نائمًا على جانبه مثل الجنين، مغمضًا عينيه، فاغرًا فاه، وقد ضم يديه إلى صدره، يمسك بهما لجام فرسه التي لكزها في هذه اللحظة في ذاك الحلم الأخير، فانطلقت، تجري، وتجري لا يسبقها أحد.
“مقامرة على شرف الليدي ميتسي” عمل بديع، تخيلته فيلمًا سينمائيًا، وانتظر تحقيق هذه الأمنية برؤية بوستر دعائي تتصدره شمعة.