أرشيف وتحرير: طاهر عبد الرحمن
وصفها الأنبياء في الكتب المقدسة، وتخيلها الشعراء في قصائدهم، والرسامون استطاعوا أن يتخيلوها لحد ما، ورسموا هذا الذي تخيلوه، وعلى ضوء كل هذه الأوصاف استطاع كل منا أن يرسم للجنة صورة في زهنه تختلف باختلاف درجات التخيل والتفكير».
الفقرة السابقة هي مقدمة تحقيق “مختلف” نشرته مجلة “آخر ساعة” المصورة في عددها الصادر يوم 11 أكتوبر 1942 تحت عنوان: «الجنة… كما أتخيلها»، وفيه نشرت آراء – أو تصورات – 5 من الكتاب والفنانين عن الجنة وما فيها، وهم: عباس محمود العقاد وزكي مبارك ونعيمة الأيوبي وأم كلثوم ومحمد عبد الوهاب.
لم تذكر المجلة، أو كاتب التحقيق الذي لا نعرف من هو، سبب أو مناسبة هذا السؤال الذي طرحه على “الكبار”، ولكن دعونا نستعرض تلك الآراء (أو التخيلات بمعنى أدق).
يقول العقاد: ”أنا وإن كنت لم أفكر في هذه المسألة من قبل، إلا أنني أتمثل الجنة مكانا فيه حرية وكرامة حافل بالبهجة والسرور، وليس من الضروري أن يكون حسيا“.
وفي رأيه أن وصفها – كما جاء في الكتب المقدسة إنما هو وصف رمزي يمثله كل إنسان كما يريد أو كما يتخيل.
الدكتور زكي مبارك يفاجئنا برأي غير متوقع، فهو يرى أن للجنة صورتان، واحدة يتخيلها “الأغبياء”، وهى صورة لعالم هادىء ليس فيه حركة أو ضجيج، مليء بكل محاسن الدنيا ومباهجها وبكل ما تشتهي الأنفس.
أما الصورة الثانية، فهى الصورة التي يتخيلها “الأذكياء” لعالم مليء بالمشاكل التي تحتاج لدراسة عميقة وتفكير أعمق.. “وهذه هى الصورة التي أتخيلها للجنة” على حد وصفه.
الدكتورة نعيمة الأيوبي (أول محامية مصرية) قالت: “الصورة التي أتخيلها هي عالم أثيري مترامي الأطراف، خال من الماديات ويمتاز بالبساطة والهدوء، يتصل كل من فيه بعضهم ببعض، بدون حاجة لأكل أو شرب أو نوم أو حتى اتصال جنسي”.
وفي رأيها أن كل الماديات، مثل الحور والولدان والعسل والخمر، هي أشياء تشغل بال العربي، ولقد أراد الله ترغيب عباده بها، فذكرها لهم.
ويبدو أن السؤال كان مفاجأة لكوكب الشرق أم كلثوم حيث قالت: “إنه سؤال غريب، والأغرب منه أن يحاول مخلوق تصور الجنة تصورا ملموسا، مهما أوتي هذا المخلوق من قوة الخيال”.
توضح أم كلثوم – كيف لإنسان أن يحيط بكل ما تشتهي الأنفس وتلذ العين، مع اختلاف شهايا النفوس”. وأما عن الصورة التي تتخيل بها الجنة والتي أتت متأثرة بالكتب المقدسة، تقول: “أرى حديقة رائعة الجمال والتنسيق، شملت كل أنواع الزهور والرياحين والأشجار والنخيل والأعناب والفاكهة، وهذا البستان مزدان بالقصور الشامخة المليئة بعباد الله الصالحين دون أن يتدخلوا في شئون الأخرين”.
وأخيرا يقول الموسيقار محمد عبد الوهاب: “اتخيل الجنة حديقة واسعة لا نهاية لها، مليئة بالأشجار التي لم نألفها في الدنيا، وستضم حضرات المؤمنين الأفاضل، ولن يكون هناك حاكم أو محكوم”.
يزيد عبد الوهاب: “وستكون مليئة بالفتيات والنساء وسيكون جمالهن من نوع لم نعرفه، سنراهن عرايا إلا من ورقة توت، إلا إذا تدخل “قرني بك” وقدم استجوابا(!)، وسيكون في إمكاننا – نحن المؤمنين – تذوق كل أنواع المتع الروحية والحسية، كما أنه ستوجد بها أكشاك للموسيقى، في كل كشك علم من أعلامها، كبيتهوفن وعبده الحامولي”.