كتبت: شيماء علام
رحلة جديدة نكمل بها رحلتنا القديمة مع مِيربابا أو ميري الطفلة الشركسية الصغيرة التي تنتقل مع أسرتها لوطن جديد، تلك اللعنة التي أصابت عائلتها منذ القدم، الآباء والأجداد الذين اعتادوا التهجير والنفي عبر الأجيال المختلفة.
تنتقل الأسرة هذه المرة للأسكندرية هربًا من محاولات الإبادة في أوروبا، آملين الاستقرار ومحاولة الانتماء للوطن الجديد، وتجاوز كل ما كان من آلام وأوجاع، لكن ميري بعكس الجميع لم تستطع التخلص من الماضي، ما زالت تشدها حبائله وتستقر بذاكرتها فواجعه.
(هذا القلق الثقيل المستمر الذي استقر في داخلها منذ الصغر فأصبح كأنه جزء من نفسها، يسيطر عليها ويحركها كيفما شاء في تسلط مستبد لا تملك حياله سوى الاستسلام له صاغرة حتى ولو على حساب راحتها)
تمر الأيام لتنتقل بعدها الأسرة الصغيرة للقاهرة، لتتقاطع المصائر مع عائلة الحاج سلامة وزوجته زبيدة لنعرف عنه وعن أبنائه الأربعة حامد ومحمود وإبراهيم وإحسان، فكيف لميري أن تصبح جزءًا من هذه العائلة؟ وهل سيتركها شبح الفراق والرحيل لتنعم بحياة هادئة مستقرة أم أن الأقدار ستعيد نفسها من جديد؟
(الفراق يا مولانا.. الفراق متعلق بطرف ثوبي أينما حللت.. يتفنن في حرماني دون رحمة.. قل لي ماذا أفعل لأنال شيئًا من الرحمة؟)
تمتد أحداث العمل على مدار فترة زمنية طويلة بداية من عام 1912 وحتى عام 1973، في سرد غني بالتفاصيل الدقيقة والأحداث الكثيرة وكأننا نشاهد فيلمًا سينمائيًا ننتقل فيه عبر السنوات ونرى كيف تتغير الأحوال والشخصيات.
أتقنت الكاتبة السرد و لوصف بلغة قوية وكلمات معبرة ونجحت في رسم الشخصيات والتعبير عن مشاعرها بصورة دافئة تجذب القارئ وتجعله متوحدًا مع الأبطال، خاصة ميري بما يعتمل في نفسها من مخاوف وآمال.
رحلة دافئة استمتعت بها مع عمل اجتماعي بلمحة تاريخية تستطيع قرأته دون حاجة للرجوع للجزء الأول منه (فتاة من الشرق) والذي أنصحك بضرورة قرأته لتستمتع برحلة تاريخية فريدة لجانب آخر من العالم.