الإثنين, ديسمبر 23, 2024
Dawen APP
الرئيسيةمقالاتأحمد مدحت سليم يكتب: "الديناصور".. كيف تصل للجوائز الأدبية بالبساطة؟

أحمد مدحت سليم يكتب: “الديناصور”.. كيف تصل للجوائز الأدبية بالبساطة؟

لو كان مسموحًا أن نحسد زملاءنا.. فإنني ولا شك سأقوم بذلك تجاه زميلي وصديقي العزيز المهندس عمرو حسين على روايته “الديناصور”!.. فليس من السهل أبدًا أن تكتب رواية سهلة.. هذا حقيقي رغم ما قد يظنه القارئ. فكتابة رواية بسيطة وسهلة لا تخلو من مقومات الجودة في نفس الوقت، هو عمل صعب، ويخضع للتوفيق بشكل كبير. وهذا ما حدث مع عمرو حسين في روايته: “الديناصور.. رسالة حب من زمن آخر“.

عنوان “الديناصور” وعلاقته بالعمل

بدءًا من العنوان ستشعر أن الأمر مربك وملفت.. ديناصور ورسالة حب؟!.. الديناصور كائن منقرض.. ومتوحش في معظم الأدبيات، فما الذي يمكن أن يجمع بين الديناصور ورسائل الحب؟! ولكن السؤال يجيء سريعًا جدًا ربما من الصفحة الأولى.. فالديناصور هو “مصطفى” العجوز على المعاش، مرتبك الذاكرة، قاطن المعادي منذ الطفولة، المعلق بالحياة الكلاسيكية التي تنتهي آثارها أمام عينيه كل يوم.. بدءا من الشوارع والفلل التي يستبدلها الزمن بالعمائر الشاهقة سيئة المنظر حسب رؤيته وهو المهندس المتخصص في الجمال، مرورًا بالعلاقات الإنسانية وتقديسها مثل علاقة الأبناء بأبيهم وعلاقة الأحفاد بجدهم والتي تذبل ولا تنطوي على الاحترام الكافي كما كانت زمان، حسبما يرى أيضًا، وكذلك من صالون كامل الحلاق التقليدي إلى درجة مدهشة فالرجل لا يزال يقف في محله مقاومًا حركة التطوير التي تجري كل يوم في مصر وفي المعادي فلا يفكر في تغيير صالونه أو أدوات وتكنيكات الحلاقة، وهذا ديناصور آخر يصر الديناصور الأول على ألا يستبدله وهو حلاقه منذ الشباب!

الكتابة.. السبب في الجمع بين بطلي “الديناصور”

تبدأ الرواية بداية أكثر من موفقة فنتعرف على مصطفى وعلى ظروفه من خلال كتاب قرر أن يبدأ كتابته ليسجل تاريخه وتاريخ المعادي قبل أن تنطفي آخر مصابيح الذاكرة التي بدأت تخبو يومًا بعد يوم حتى أنه لا يتذكر اسم البواب ولا حرمه التي تخدم في بيته. تبدأ الرواية بسطر يقول: “نصحني وجدي بالكتابة!”.. ويمضي بنا مصطفى في التعريف بوجدي وهو أحد أصدقائه منذ الطفولة والذي سنعرف في آخر صفحات الرواية أنه ذو دور محوري جدًا في حياة مصطفى لسبب آخر غير صداقتهما! ينتهي الفصل الأول ويبدأ الفصل الثاني بسطر يقول: “نصحني وجدي بالكتابة!”.. وهذا لأن الديناصور مختل الذاكرة فهو لا يعرف أين وقف ولا كيف يبدأ، وهي البداية الذكية وفهم الكاتب لشخصيات روايته وملابسات أزماتهم.. أعجبتني هذه اللفتة جدًا.

بسبب هذا الكتاب الذي كتبه سيصطدم الديناصور بعقبات في طريقه للنشر، وبين العقبات سيعثر على بطلي العمل.. الأنفلونسر الشهيرة “منة صالح” صاحبة آلاف الفولورز والسطحية إلى حد التفاهة، الباحثة عن المال وعن الشهرة بكل ما أوتيت من قوة وجهد.. منة صالح التي تعيش أمام جمهورها حياة تختلف تمام الاختلاف عن حياتها الحقيقية بعيدًا عن الواقع الافتراضي، الناقمة على ظروف أسرتها المتواضعة، والكارهة لأبيها الذي ابتعد عنها وعن أمها متجاهلًا مسؤوليته تجاههم.. وبالبحث عن المال تلتقط الديناصور العجوز الذي أنهى كتابه لكنه لا يفهم كيف يجب أن يكون الكتاب مكتوبًا على الكمبيوتر.. بل ولا يعرف ما هو الكمبيوتر، فتقرر منة أن تستفيد من الموقف وتقوم عنه بهذه المهمة مقابل المال.

ثم يلتقي عن طريق منة بالعاشق الهائم “زياد” المخرج الموهوب، الذي تخلى عن حلمه ليهب نفسه وخبراته الإخراجية لخدمة حبيبته المتجاهلة “منة”. صار زياد مخرج فيديوهاتها، متخليًا عن حلمه في إخراج أول أفلامه، ومنة تتجاهل حبه وتستفيد منه ومن حبه إلى أقصى حد لخدمة مملكتها التي تحلم بأن تضم ملايين الفولورز.

المعادي.. البطل الحاضر الغائب في “الديناصور”

هنا صرنا أمام الأبطال الثلاثة.. وبطلة رابعة حاضرة غائبة تلقي بطيفها على الرواية من أولها لآخرها.. المعادي. يقوم عمرو حسين من خلال صوت بطله مصطفى باطلاعنا على تفاصيل شيقة وحقيقية لحي المعادي مثل تلك المواقع التي تم فيها تصوير أغنية “ظلموه” على جسر كان يقوم مكان ميدان سوارس الآن، إلى جانب معلومات أخرى نسجها عمرو / مصطفى بروح عاشق للمعادي.

الصدفة تلعب مجراها في أحداث “الديناصور”

تنقلب العلاقة بين الأبطال الثلاثة حين يقرر مصطفى أن يكتب رسالة إلى حبيبة مجهولة. تجذب الرسالة منة السطحية كما تجذب زياد العاشق المعذب. وتتوطد العلاقات بين الأطراف أكثر وأكثر حين يموت كامل الحلاق فيقوم زياد بإخراج فيلم تسجيلي عن محل الحلاقة وصاحبه، ويشترك كامل ووجدي في الفيلم كمتحدثين. وبسبب صورة سيلفي من كواليس الفيلم صورتها منة ورفعتها على الإنستجرام تحت هاشتاج مع جدو مصطفى، يتلقى الجد مكالمة من حفيدته البعيدة لتسأله في انبهار كيف يعرف منة صالح؟!.. وهكذا يبدأ الديناصور في التوغل شيئًا فشيئًا في الحياة العصرية.. وفي كتابة رسالة حبه الشيقة.. وكذلك يستعيد حفيدته الغالية “نادية” والتي سماها وعشقها قبل أن ترحل مع والديها إلى دبي.

ببساطة.. جدًا، تمكن عمرو من الحديث عن هذه القصة التي تبدو لك بلا أعماق أو سراديب مضللة. القصة بسيطة والأزمات واضحة، فقط يجيء التشويق من رغبتك ورغبة منة وزياد في العثور على الحبيبة المجهولة ومعرفة من تكون (وستدرك إذا دققت النظر أن هذه الحبيبة هي معادل موضوعي لبعدي الزمان والمكان في الرواية). ومن الرسالة نعرف الكثير عن منة وعن زياد وعن أزماتهما.. فعل عمرو حسين ذلك بذكاء حقيقي، سيجعلك تنفعل انفعالًا حقيقيًا، شفقة وغضبًا وتعاطفًا وقلقًا على المصائر. إن عمرو حسين لم يقل شيئًا.. ولكنه قال الكثير، هذا هو الملخص.

تأثير الغلاف على العنوان في رواية “الديناصور”

سبب آخر يدعوني للحسد.. وهو الغلاف المميز جدًا للفنان “كريم آدم” والذي تبدو فيه شابة جميلة بملابس ستيناتي، تلتفت نصف التفاتة لتمنحك بسمة صافية وشائقة، بينما تسير في جو خريفي غائم في حديقة لا تظهر بشكل واضح. الصورة مع كلمة “الديناصور” على الغلاف ستدفعك لمحاولة الفهم فإذا بك تنهي الرواية كاملة!

تحياتي لعمرو حسين الذي يقدم في روايته الثالثة الصادرة عن دار دوِّن للنشر في يونيو 2021، عملًا مغايرًا لما سبق وقدمه في روايتيه السابقتين: الرهان (2012)، تاهيتي (2017).

مقالات ذات صلة
- Advertisment -

الأكثر شهرة

احدث التعليقات