الإثنين, ديسمبر 23, 2024
Dawen APP
الرئيسيةحواراتأسامة علام: الكتابة لعبة قدرية!

أسامة علام: الكتابة لعبة قدرية!

أسامة علام: الكتابة لعبة قدرية!

أنا مشغول طوال الوقت بمحاولة فهم تصرفات البشر ومخاوفهم

سأقول لبطل حلمى: لقد عشت يارجل كما يجب لرجل حر أن يعيش

ليس هناك نقدًا حقيقيًا إذا لم يتمتع الشخص بحرية كاملة

الروائي أو صاحب الخيال الجامح هما عنوانان لحياة واحدة، برع صاحبها في إثبات أحقيته بكليهما كلما أخرج ما يدور في عقله على الورق حيث استطاع المزج بين قدرته على تصوير صراعات الواقع والإبحار في عالم الخيال أيضًا، ليغدو رجلًا شغوفًا وقارئًا من طراز خاص قبل أن يكون الكاتب الذي يزخر عقله بالأفكار التي تجد لها قالبًا مختلفًا في عالم الأدب

د. أسامة علام الرجل الذي عاصر أساليب الحياة في بلاده وخارجها وواصل التأمل في كل ما يحيط به مهما بلغت درجة غرابته ليتكون بداخله ذلك المزيج العاشق لتفاصيل المجتمع الشرقي الذي ولد فيه وملمًا بخبايا المجتمع الغربي الذي استكمل حياته به حتى أصبح رحالة يستمتع بما يراه قبل أن يكون كاتبًا له القدرة على ترجمته في أفضل طريقة ممكنة وصادقة..

وللتعرف أكثر على أساليب تميزه وحبه للكتابة نخوض معه رحلة خاصة في عالمه الأدبي وفي أفكار رواياته الفريدة “تولوز” و “الاختفاء العجيب لرجل مدهش”..

أهلًا بحضرتك د. أسامة، وأتمنى أن نقيم حوارًا شيقَا يتمكن القراء من خلاله التعرف أكثر على كاتب بحجم موهبتك الأدبية وأيضًا على أعماله التي تستحق الإشادة بها.. ودعني في البداية أستمع إليك تعرف نفسك بالطريقة التي لطالما أردت أن يعرفك الناس بها؟

أنا شخص يحترف الترحال ويهوى الكتابة، السفر هو تجربتى الأكثر مشقة. والكتابة طريقتى الوحيدة فى محاولة فهم نفسى. الطريقة الأكثر وضوحًا فى عقلي للحفاظ على حالة الاتزان التى تستطيع أن تجعلنى شخص قابل للحياة. وبين السفر والكتابة هناك خط مشدود أحاول المشي فوقه بقدرتي الكاملة على التوتر كي لا أسقط فى دوامة لا ترحم من الأسئلة. وبخلاف ذلك أنا أب وزوج. أعيش بين أمريكا التى أعمل فيها وكندا التى أحمل جنسيتها وتعيش فيها أسرتى الصغيرة. مصري من المنصورة. حصلت على الماجستير من فرنسا والدكتوراه من كندا. وتركت التدريس الجامعى لأعالج الحيوانات فى أمريكا الشمالية كطبيب بيطرى.

دعنا نعود بالذاكرة للوراء لأول مرة أطلقت لنفسك العنان في الكتابة.. هل يمكنك أن تقص علينا تفاصيل كتابتك لأول نص أدبي ترضى عنه؟

 يبدو السؤال وكأن لي القدرة على التعامل مع النصوص الأدبية برفاهية اختيارية. لكن بالنسبة لي الكتابة، كل أشكال الكتابة وأنواع النصوص، كائنات حية تمامًا كشركاء الحافلة فى رحلة طويلة. الكتابة لعبة قدرية. تختارك النصوص من بين ملايين البشر لتمر من خلالك إلى بوابة العالم المقروء. أنا ككاتب لست سوى جسر للكلمات. أحتفظ دائمًا بكل ما أكتب لأنه يمثلنى خلال رحلة الكتابة. نحن كبشر لم نخلق لرفاهية الثبات. أنا لست نفس الشخص الذى كنته وأنا أكتب نص ما. ربما تبدو الفكرة مربكة قليلا. ولكني أؤمن بصدقها. أما عن نصي الأول فكان انعكاسًا لرحلة قمت بها للصحراء.

الروائى هو شخص دائم البحث عن حياة مشتهاة يعلم أنه لن يستطيع الوصول اليها. فيكتب كل أمنياته وهواجسه عن هذه الحياة فى رواية. هذا تحديدا ما حدث معى فى روايتى الأولى “واحة الزهور السوداء”. كانت الليالي التى عشتها فى الصحراء شديدة الهدوء والغموض. وأردت أن أجعلها أكثر تشويقا بما يليق بمخيلة رجل يحب الصخب. فكتبت رواية عن واحة متخيلة بطلها قزم، أمه ساحرة ويعيش أجواء تحقق نبوءة أسطورية.

عظيم جدًا، دعني أسألك بما إن حضرتك متابع لحركة الأدب عالميًا ومحليًا وفقًا لمعيشتك بالخارج.. هل أنت متابع أيضًا لحركة النقد الأدبي خاصة أن المجتمع الغربي يهتم كثيرًا بتلك الصناعة؟ وهل يمكنك عقد مقارنة بسيطة للقراء بينه وبين مفهوم النقد في أوساط الأدب العربي؟

أنا شخص بسيط أمضي حياته محدقًا فى وجوه البشر. باحثا فى حكاياتهم عن محاولة لفهم حكايته الخاصة. أنا لا أجد هذه الفروق الشاسعة بين الشرق والغرب. وبما أنك تطرقتي لفكرة النقد الأدبى فاسمحي لى أن أتطرق للنقد كفكرة عامة. الغرب يخلق أشخاص لديهم حس نقدى كحتمية للحياة. وليس هناك نقد حقيقى اذا لم يتمتع الشخص بحرية كاملة. بمعنى أن كل الأفكار مطروحة لإعادة الصياغة.  كلها يمكن تفكيك عناصرها وإعادة ترتيب أبجديتها. أما الشرق الساحر فهو حبيس محرماته طوال الوقت. بالطبع الشرق هو الأقدم لذلك هو الأكثر ثباتا. لكن النقد – كفكرة- فى الشرق عليه أن يكون أكثر التزامًا بثوابت المجتمع. فيصبح الأجود والأقل جودة فيه ليس سوى انعكاسا لمدى الالتزام بالقواعد المحددة سلفا.

بما إننا فتحنا باب الحديث عن المجتمعين بثقافتهما المختلفة.. هل ترى نفسك كأديب متأثرًا في المقام الأول بالأدب الغربي أم العربي؟ وهل تجذبك الكتابة والتدوين عن طبيعة المجتمع بالخارج أم أنك لازلت محتفظًا بمشاهد من تقاليد الحياة في مصر؟

أنا أكثر تأثرا بتجربتى الخاصة مع يقيني بمحدوديتها. أنا شخص يعيش طوال الوقت على الجسور. جسر يربط بين ثلاث لغات: العربية التى أكتب وأقرأ وأتحدث بها، الانجليزية التى أعمل بها والفرنسية التى يتحدثها مجتمع مدينة أسرتي فى مونتريال. جسر أخر يربط بين مصر التى بها أمي وأصدقائي وكتبي وأمريكا التى بها عملى وكندا التى بها أسرتى. ووسط كل هذا الضجيج من الثقافات واللغات أكتب عن نفسي. فتخرج الروايات مليئة بعجائبية بها أصوات كل هذا.

أخبرنا أية تجربة تظل هي الأمتع بالنسبة لك هل كتابة الرواية أم القصة القصيرة؟ وصف لنا الفرق في كتابتهما بالنسبة إليك؟

أنا أحب كتابة الروايات. فكما أخبرتك سابقا أنها تهدينى عالم مشتهي لعقلى الباطن. فى الروايات نستطيع أن نخرج أعنف رغباتنا البشرية أو أكثرها رقة. ومع التقدم فى الكتابة يصبح أبطال الرواية أصدقاء أو أعداء حقيقين. تخيلي أنه من خلال نص أدبى يستطيع الشخص الحصول على أمر حقيقى فى هذا الزمن الصعب. أما القصة القصيرة فهى الأكثر قدرة على إفراغ شحنة لحظية. مسكن سريع لألم مفاجئ. صرخة غضب تهدئ الروح سريعا وتعيد للشخص اتزانه الاعتيادى.

هل أنت ممن يرجحون عملية البحث قبل الكتابة وهل تأخذ وقت طويل في التخطيط للعمل أم تكتب ما يجول في خاطرك فحسب؟

ربما ترتبط الاجابة على السؤال بفكرة قدرتي على اختيار النصوص التى طرحتها سابقا. الحقيقة أنا أبدأ أى رواية وأنا يشغلني سؤال ما. سؤال يرتبط بمشهد حياتى مررت به وأصبحت مفرداته تسكن فى اللاوعى. عندها أبدأ فى الكتابة. وخلال الرحلة تتقافز الأسئلة فأبحث عن إجابتها.

أنا مشغول طوال الوقت بمحاولة فهم تصرفات البشر ومخاوفهم. كثيرا ما أتوقف خلال الكتابة للبحث عن تفاصيل أحتاجها للفهم. أقرأ الكتب وأشاهد الأفلام والوثائقية وأذهب الى الجامعات. أحيانا أسافر إلى مدن عاش فيها أبطال روايتى. أو أتحدث الى العجائز من الاثنيات العرقية المختلفة. كتبت عن الأمازيغ والأرمن والسكان الأصلين لأمريكا الشمالية وحضارات الأنكا والمايا وكلفنى ذلك الكثير من الوقت والبحث. لكنه أهدانى متعة لم أختبر مثلها فى حياتى كلها.

دعنا نتوغل في كتاباتك المميزة وخصوصًا فكرة التي أثارت إعجابي كثيرًا في رواية الاختفاء العجيب لرجل مدهش.. من أين استوحيت فكرة أن يتحدث البطل مع حلم؟

أشكرك على الإطراء بوصف كتاباتي بالمميزة. لكني كي أكون صادقا معك فلابد أن تكون إجابتى هى: لا أعلم. يبدو أننا كبشر نعيش على أكثر من مستوى من المعرفة والوجود. أحيانا أشعر أن من يكتب هو شخص أخر غيرى. جسر أخر أعبره بين الوعي واللاوعي. بين هذا المتعقل الذى يسكن جسدى كشخص متزن يحاول أن يحصل على إطراء مجتمع منتظم بشكل صارم. وبين هذا الطفل الفوضوى الذى لا يكف عن المشاغبة بالكتابة. أنا شخص حياته روتينية بشكل مجحف. لذلك يخرج شخصي الآخر الذى يسكن عقلي لسانه لكل المنطق الذى أحاول سجنه فيه. ويستطيع البطل فى رواياتي أن يفعل أن يدهشني دائما.

لو أتيحت الفرصة إلى أسامة علام أن يحادث حلم من أحلامه؟ أيهم تختار وماذا ستقول له؟

أختار حلم الحياة كصياد فى قرية صغيرة بجزيرة من جزر المحيط الهادى. كنت سأعيش حياة كحياة الفوضوى فى رواية ميتتان لرجل واحد لجورج أمادو. أخرج فى رحلات صيد بحرى وحدي كبطل العجوز والبحر لهمنجواى. كنت سأحاول أن أصادق مجانين الجزيرة وأتعلم منهم كما فعل حسين البرغوثى فى رواية الضوء الأزرق. كنت سأرقص كزوربا فى رواية كزانتزاكس. وأعشق كما فعل بطل الحب فى زمن الكوليرا فى رواية ماركيز. ساعتها كنت سأقول لبطل حلمى: لقد عشت يارجل كما يجب لرجل حر أن يعيش.

شعرت من قرائتي لمشاهد العجائز الثلاثة نينا، ايزابيلا وشانتال أو فكرة وجودهم من الأساس أنك ربما استوحيتها من الساحرات الثلاثة في مسرحية ماكبيث لشكسبير؟ فهل كانت تلك إشارة متعمدة أم مجرد صدفة؟

ربما تأثرت بساحرات شكسبير. أقول ربما لأننى لا أملك الأجابة الصادقة. لكنى أعلم أن مونتريال مدينة عجائز كما الكثير من مدن الغرب الكبرى. عندما هاجرت أنا وزوجتي من مصر كان أصدقائنا العرب يحذرونى من العجائز. هؤلاء الذين تقتلهم الوحدة ويمضون الوقت فى التجسس على المهاجرين من أمثالي. يتصلون بالشرطة عند أول مشادة بين الرجل وزوجته أو عندما يوبخ أب أبنه كعقاب على ذنب أقترفه. وفى أعوامنا الأولى شعرنا أنا وزوجتى أننا مراقبون طوال الوقت. وكان علينا أن نحارب الأفكار سابقة التحضير عن الأسرة المسلمة الآتية من الشرق. لذلك كان اختيار العجائز الثلاثهة فى روايتي محاولة لتفكيك مكونات مجتمعى الجديد وإعادة بنائه كى أفهمه. والعجائز الثلاثة ليسوا هن المثال الوحيد على ذلك فى هذه الرواية. هناك أيضا البطل مزين الموتى وصديقته العرافة والأحلام المتحققة بوجود شخصي.

دعنا ننتقل لرواية تولوز.. حدثنا عن فكرة المقارنة بين حضارة الشرق والغرب وهل ترغب في تجسيدها في عمل أخر من جديد؟

بعد تولوز كتبت روايتين كان أبطالها عرب يعيشون فى الغرب. أقصد ” الوشم الأبيض ” و “الحى العربى”. أنا مصرى كندى. هذا التعريف ثنائى التجنس يجعلنى دائما ضحية الاشكالية بين الشرق والغرب. كلا الثقافتين خلقت طريقة خاصة لمحاولة أرضاء الانسان ليكمل حياته بدون ضجر فى الحياة. كلتا الثقافتين تحاول اجبارك على تكون أقل صخبا فى الحياة كى تهبك وسام الموت وأنت صاحب سمعة طيبة. وأنا شخص أحاول الفهم فقط يا صديقتي. فتخرج رواياتى تحمل انطبعاتى عن ما أعيش سواء من هنا أو هناك.

دعني أقتبس من الرواية أيضًا جملة “الرحلة هي الجائزة” وأتحدث معك عن فكرة إن الرحلة في حد ذاتها هي مضمون الحياة.. هل لذلك علاقة برحلتك الشخصية؟

عرفت نفسى لك وللقارئ العزيز بأننى شخص رحال. الحياة فعلا رحلة قصيرة فى اتجاه واحد. أتذكر الآن الصبى صاحب الجمل الذى صاحبنا فى رحلة الصعود من أكثر من عشرين عام لجبل سانت كاترين. يومها أهدانى الصبى الصغير حكمته التى علمتى كثيرا. ” الحياة رحلة يا أستاذ. وكل يوم يمر يقربنا أكثر من نهايتها والوصول الى المحطة الأخيرة”.

رحلتى عبر الحياة لم تكن فقط عبر الأيام والمدن. رحلتى كرحلة كل البشر عبر الوجوه التى تقابلنا فى المقاهي والشوارع. عبر الكتب التى نقرأها. عبر مشاعرنا التى تتقلب على أرواحنا. عبر الأجساد التى تعانقنا. رحلتنا عبر الروائح التى نختبرها وعبر الكلمات التى نطلقا فتفرح أو تكسر الخاطر. رحلتنا عبر اللمسات التى تتعرف عليها جلودنا سواء حرقتنا كالنار أو أحتوتنا كيد المحبوب. أنها رحلة لا تنتهى إلا بالنفس الأخير فى هذه الحياة الملغزة المليئة بالمدهش الذى يكف عن الابهار.

حدثنا عن كتابك المفضلين وهل هنالك نوع معين من الأدب تفضل قرائته أم أنك تحب التعرف على جميع أنواعه؟

أحب الأدب الذى يطلق المخيلة أكثر من الأدب الذى يرصد الواقع. لدى أستاذان بفضلهما استمررت فى الكتابة. الدكتور محمد المخزنجى والدكتور محمد المنسى قنديل. وأحب جورج أمادو وماركيز وايزابيل الليندى وخوان مياس ويكيمشيما وسرماجو والطاهر بن جلون وابراهيم الكونى وعبد الرحمن منيف وتوفيق الحكيم وحسين البرغوثى. تبدو أن القائمة طويلة بشكل لا يمكن أن يجعلها مكتملة فى حديث صحفى.

أخيرًا د.أسامة حدثنا عن الرسالة التي ترغب في تخليدها بقلمك لكل من يقرأ لك؟ الرسالة التي تدفعك للكتابة في كل مرة؟

أنا أحاول فقط أن أطرح الأسئلة وأن أجعل القارئ يطرحها. أن أجعل القارئ يمضى وقتا ممتعا فيما يقرأ. أن يشاهد تجربة شخص عاش حياته فوق الجسر يحاول تعلم الدهشة والفرح. صدقينى لو نجحت فى هذا سأكون شخص سعيد جدًا.

كان هذا حوارنا مع د.أسامة علام لموقع دار دوّن للنشر، سعيًا منا للتعرف على رحلته التي ألهمته عددًا صادقًا من الروايات كي يسطرها بقلمه الأدبي ويمزجها بخياله الخصب والذي يلقى الإعجاب المناسب له في أواسط الأدب ويجد مكانته الخاصة وسط الزحام الذي تشهده حركة الكتابة والتدوين في العصر الحالي.. مع كل أمنياتنا له بالاستمرار في الإبداع لمنح قرائه تجربة جديدة يعيشون فيها عالمًا من المتعة التي يبرع في خلقها.

مقالات ذات صلة
- Advertisment -

الأكثر شهرة

احدث التعليقات