نقلا عن منصة فلسطين الثقافية
كتبت: إسراء إبراهيم
الحياة فُرص عابرة قد تُجيد استغلالها أو تُهدرها ظنا منك أنها ستتكرر، أو سيمنحك القدر صدفة أخرى لتحقق فيها حلمك وتنتصر على جُبنك! وفي رواية “الديناصور.. رسالة حب من زمن آخر” للكاتب عمرو حسين، الصادرة عن دار دوِّن للنشر والتوزيع، ندرك ذلك المعنى الخفي في حياتنا.
تدور أحداث الرواية حول “جدو مصطفى” الرجل الذي يعيش في عقده السبعيني، وأضاع حبه الأول في العشرينات من عمره ظنا منه أن الصدف ستتكرر، لكن الزمن لم يمنحه فرصة أخرى ليتخلص من خوفه ويخبر حبيبته بما يحمله قلبه لها من مشاعر، وظل يعيش على أطلال قصة الحب لعقود. في حين استغلت الفتاة العشرينية “منة” صدفة جمعتها بـ”جدو مصطفى” لتبحث عن مصدر دخل ليقودها في رحلة للبحث عن ذاتها حتى تُدرك “منة” من هي بسبب “الديناصور” القادم من زمن غير زمانها، والذي من المفترض أن يكون قد انقرض في عصرها الذي يتسم بالرقمنة.
❞لا أعرف ما الذي دفعني لأن أُطارِد عجوزًا في السبعينيات من أجل المال شعرت بحسرة شديدة وانكسار أقود سيارتي من مدينة نصر للمعادي لأتفاوض مع ديناصور يكتب بالورقة والقلم من أجل مبلغ بسيط أنا واثقة من أن ما كتبه سيكون❝
السر في البساطة
امتازت الرواية ” ببساطة القصة والأسلوب، لتنساب تلك البساطة بين سطور الحكاية وتأخذك لعالم سحري قد لا يعرفه الكثيرون. إذ ربط الكاتب بين عالمين مختلفين تماما بسهولة وعذوبة لغوية.
نرى جيلا قادما من الخمسينات يتعامل مع جيل “إنستجرام” و”يوتيوب”، وعوالمهما المختلفة تماما. لكن تجمعهما الإنسانيات التي لا تتغير مهما مرت السنوات وتغير البشر.
فنجد قصة حب “جدو مصطفى” التي أضاعها تُشبه بدرجة كبيرة قصة حب “منة” و”زياد” الذي يفوق عمره أعمارهما بأكثر من نصف قرن، لتؤكد الحكاية على أن الحب والمشاعر ستظل هي نفس المعضلات البشرية مهما تغيرت الأزمنة وتبدلت الشخوص.
“وما حياتنا بكل ما فيها إلا رمال شواطئ ستمحى من الوجود بعدنا”
كيف تجعل المكان بطلا؟
أخذنا الكاتب عمرو حسين في جولة للمعادي، كيف كانت وما آلت إليه الآن وأبرز التغيرات التي شهدها الحي العريق، ليجعل من المكان بطلا من أبطال الرواية. فلو كنت من سكان المعادي ستشعر بنوستالجيا تأخذك في رحلة بين معالمها وشوارعها، وترى عبر الكلمات كيف أثر الزمن في طبيعة وأشخاص المكان. وإذا لم تكن من سكان المعادي ولم تشاهدها من قبل، سيصف لك “جدو مصطفى” رحلته عبر السنين مع الحي العريق المتأصل في مصر منذ أكثر من مائة عام متجاوزا عمر دول تتواجد في العالم.
البحث عن الونس
حالة إنسانية فريدة تقدمها الرواية بلغة شاعرية حالمة، حيث سلط الكاتب الضوء على مشاعر الشخصيات وما ينتابها مع كل حدث تواجهه. ستحب “جدو مصطفى” وتشعر معه بالمرارة لضياع حبه الوحيد. ستتأثر بوجع وحيرة “زياد” ومع ألمه من التجاهل الذي يشعر به مع حبه الوحيد. وستأخذك “منة” معها في “كركبة حياتها” والتوهان الذي تشعر به.
“تمر السنين ويبقى ما في القلب، لا يُغيره تغير الزمان أو المكان. تبقى الحقيقة المجردة موجودة في مكان ما في قاع العين موصول بالروح.. تتلاقى من خلاله الأرواح فتلمع الأعين في نشوة في لحظة اللقاء”
تتسم الرواية بواقعيتها فتشعر أنك أمام أشخاص تعرفهم أو صادفتهم وكذلك الأحداث التي سيُخيل إليك أنك سمعت عنها من قبل. فاختار “جدو مصطفى” أن يرى حبيبته فقط من بعيد في النادي ليؤنس وحدته وفقدانه لمشاعر الحب التي طالما حلم بمعايشتها مع حبيبته الفاتنة، التي بحث عنها في سطور رسالته المجهولة إلى حفيدته التي حملت نفس اسمها.
“أعادت الكتابة الروح لي مرة أخرى”
لعمرو حسين أسلوب ساحر، الرواية تلمس القلب من شدة لطفها ونعوميتها وشاعريتها، رغم أن قصة الحب لم تكن مباشرة في الأحداث وهي عنوانها الفرعي، لكنه جعلنا نشعر بما يريده باللعب على وتر النوستالجيا والإنسانيات. وانتقاله بين الأجيال وطريقة تعبيراتهم وإظهار اختلاف الأفكار واللغة كان متمكنا بشكل رائع، فلن تشعر لوهلة أنك وقعت في فجوة زمنية، ورصد الفوارق بإسلوب سلس محبب للقارئ.
عمل درامي بامتياز
طوال قراءتي للعمل، شعرت أنني أرى فيلما هادئا مريحا للأعصاب بقصة بها الكثير من التشويق والحماس لمتابعة مجريات أحداثها المتبقية. عناصر جذب عديدة موجودة في القصة تجعلها صالحة لتناسب إخراجها كفيلم سينمائي هادئ وناعم يذكرنا بأفلام الأبيض والأسود الحالمة.
الديناصور” رواية ممتعة وشيقة، تستحق عن جدارة الوصول إلى القائمة الطويلة لجائزة غسان كنفاني للرواية العربية.