كنت أتمنى قديما أن أعيش مثل نجيب محفوظ.. أدركت فجأة أني وصلت إلى التسعين وقد فعلت كل شيء.. أستطيع التعامل مع وظيفة حكومية بشكل يومي.. أسجل حضوري في بداية النهار وأختفي ثم أعود في الظهيرة، أكرر نفس الإمضاء بنفس الحروف المتآكلة التي تدل على انهماكي في العمل وسرعتي في الذهاب للمنزل.. أعرف متى أكتب وكيف أكتب ولماذا أكتب بهذه الجدية التي كان يقوم بها محفوظ.
كنت أتمنى أن أكون دقيقا مع الزمن، لا أتعامل معه بفوضوية وأنتظر وقت غروب الشمس لأحتسي آخر فنجان قهوة في اليوم كتبه لي الطبيب.
للقراءة| يوسف الشريف يكتب: من الزقاق للحارة.. نجيب محفوظ كما عرفته
كنت أريد أن أكتب دون أن أشبه أبطالي وأصير حكاية صالحة للنميمة في كل مساء على مقاهي الأصدقاء.. كنت أريد أن أكتب عن عالم لا أعرفه.. وأخون كل الشخوص الذين أتكلم معهم لاقتناص حكاية منهم أنشرها في كتاب.. أنا شخص تفضحه كلماته.. شخوصه يقولون ما أريد أن أقوله.. لم أستطع لمرة أن أكتب عن شخص أكرهه وأسهب في الحديث عنه، لكني كنت أمر عليه كعابر لاحظ وجوده فأصرّ على أن يترك هذا الطريق.
كنت أتمنى أن أعيش كما محفوظ طويلا وأختار وقتاً مناسباً لموتي في نهاية الشهر لكي أكون أنجزت كل المهام المطلوبة مني والواجب فعلها.. الآن لا أتمنى ذلك.. أريد أن أترك بعض روايات محفوظ أمام قبري ليقرأ الزائرون ما تيسر من فقرات تلهمهم بالبقاء طويلاً خارج حيز شخوصي التي أصبحت تتمنى الموت قبل أن تبدأ الرواية.. شخوصي الذين أدفعهم للحياة دون جدوى.. يرفضون الحياة.. فأُسجل ما تبقى من حكاياتهم التي يريدون تركها على مقابرهم ليتذكرهم الأهل والأصحاب كما يتمنون.
أنا الآن أصبحت بطلاً لإحدى رواياتي.. أريد أن يُكتب على قبري: هنا شخص مرّ منذ زمن في هذا المكان وحاول أن يعيش سعيداً ولكنه فشل فمات.