نوران محمود
“جرائم الغراب السبع” للكاتب خالد أمين، والصادرة عن دار دون للنشر والتوزيع، هي رواية تدور في عالم يغلب عليه الغموض، حيث يتشابك الخوف، الوحدة، الذنب، والحقيقة.
تبدأ الرواية بمشهد مرعب مع شخصية يوسف، الذي لا يكاد يظهر لبضع ثوانٍ حتى يُقتل على يد مجهول، تاركًا الذعر جليسًا وحيدًا في القصة.
جريمة قتل مربكة التفاصيل، ينجو منها شخص واحد: مازن، الابن الأصغر للعائلة، الذي رغم كونه الشاهد الوحيد لا يتذكر أي شيء من تلك الليلة. وهنا، يضطر طبيب غريب الأطوار إلى خوض مغامرة غير مألوفة مع مريضه الأكثر غرابة لكشف أسرار تلك الليلة الغامضة.
الرواية ليست مجرد قصة جريمة؛ بل هي رحلة إلى أعماق النفس البشرية، حيث يكشف كل سر عن ألم دفين، وتفتح كل إجابة بابًا لسؤال جديد.
للقراءة| “ميت مطلوب للشهادة”.. رحلة مع غموض الحياة والموت
مازن لم يكن البطل المثالي الذي نراه غالبًا في أدب الجريمة؛ بل كان أشبه بمرآة تعكسنا جميعًا بخوفه، بتردده، وبضعفه في مواجهة نفسه قبل الآخرين. حمله لأسرار لا يدركها هو نفسه أضفى على شخصيته عمقًا استثنائيًا. التحول الذي شهده مازن في النهاية لم يكن مجرد خطوة نحو كشف الحقيقة، بل كان مواجهة صادقة مع ذاته المكسورة.
الشخصيات الأخرى كانت مرسومة بعناية فائقة. الطبيب النفسي، بتصرفاته المريبة وعقله الذي بدا وكأنه مسرح يحتضن الجميع، أضاف بُعدًا نفسيًا قويًا للقصة، وشكّل انعكاسًا مظلمًا لمازن. تصرفات الطبيب جعلت القارئ يتساءل دومًا: هل يمثل خط المساعدة أم الخداع؟
مشاهد المواجهة النهائية بين مازن وماضيه، واكتشافه لدوره الحقيقي في الأحداث، شكلت ذروة الرواية وأقوى لحظاتها.
رسم الكاتب الأجواء ببراعة جعلت القارئ يشعر وكأنه يعيش مع الشخصيات، يغرق مثلهم في أمواج الأحداث المتلاحقة، بين التوتر الصامت في الحوارات والغرف المغلقة التي تضيق مع كل كشف جديد. ومع ذلك، جاءت النهاية مفتوحة، تاركة أثرًا مميزًا، وكأن الكاتب أراد للقارئ أن يعيد التفكير في مفهوم الحقيقة ومعانيها العميقة.
“جرائم الغراب السبع” ليست مجرد رواية غموض أو عمل بوليسي، بل هي عمل نفسي عميق يدعوك للنظر إلى دواخل الشخصيات وليس فقط إلى الأدلة. ولعل هذا ما يجعلها تجربة أدبية مميزة، تمزج بين الخوف والندم وشجاعة مواجهة الماضي مهما بدا كوحش نخشاه.