الإثنين, ديسمبر 23, 2024
Dawen APP
الرئيسيةريفيوهاتخارج نطاق الخدمة.. الفراشة أم الإنسان؟

خارج نطاق الخدمة.. الفراشة أم الإنسان؟

كتب: تامر شيخون

“كنت أحلم يوما أني فراشة تحلق في السماء وتمرح بين الزهور.. بعد استيقاظي لم أعد متيقنا، إن كنت إنساناً حَلِم َيوما بكونه فراشة، أم أنا فراشة تحلم الآن أنها إنسان؟!”.. جوانج زو.

بعد المعرض، يصبح التحدي الأكبر اختيار أول الكتب للقراءة. اخترت أن أبدأ برواية “خارج نطاق الخدمة” الصادرة عن دار دَوِّن للنشر والتوزيع. وهي الرواية الثانية التي أقرأها لعمرو حسين بعد رواية تاهيتي.

بِدءاً بالغلاف، تألق المُصَمِّم أحمد فرج في ابتكار غلاف شديد الجاذبية يغلب عليه اللون البرتقالي الداكن مثل غروب الشمس. سيارة ميني كوبر برتقالية أيضا تقف أمام “ما يبدو” كقرية نائية أو ربما مهجورة.

جمال الفكرة، ليس في تفردها فقط، لكن في نقلها الدقيق لأجواء الرواية ومتنها.. السرد نسمعه بصوت بطل الرواية الذي لم ولن نعرف اسمه عبر فصولها، رغم تصدره المشهد من أول صفحة لآخر سطر.

فكرة الرواية بسيطة. بطلنا يبوح لصديقه الطبيب بحادثة ربما وقعت له فقادته إلى مغامرة غامضة في قرية نائية بمصر. لكن معضلة بطلنا أنه غير موقن بواقعية تلك الأحداث وتلك القرية رغم وصفه الدقيق لتفاصيلها وملامح قاطنيها، بل أنه غير موقن حتى بواقعية الحادثة الأصلية التي قادته إلى المغامرة من الأساس. يأخذنا بطل الرواية “الرواي” معه في رحلة يسير فيها بحذر على خطٍ رفيع بين الواقع والخيال ناقلا حيرته إلينا حتى يتملكنا الفضول، أين اليقظة وأين الحلم؟ أين الحقيقة وأين الخيال؟ خصوصا إذا كان الالتباس متعلقاً بحادثة قتل خطأ!

اختار عمرو الفصحى البسيطة لغةً للسرد و للحوار. أتى الحكي سلسلا بلا تقعير ولا استعراض لغوي، بل لعلك تسمع أصوات الشخوص بلهجتها العامية في الحياة المعاصرة. كقارئ، أرى الفصحى البسيطة هي لغة السرد والحوار المناسبة للرواية العربية وليس صحيحاً أنها تعوق الكاتب عن رسم صورة واقعية لأبطاله أو إيصال صوتهم إلى القارئ المعاصر.

نجح عمرو مع تطور الأحداث في بقائنا على حالة الفضول للتعرف على أغوار بطلنا مجهول الاسم. كما نجح في دفعنا إلى الاستمرار في التساؤل والتخمين عن حقيقة “ما حدث”. استدرجنا البطل بذكاء إلى عالمه الخاص الملتبس مجردا نفسه تدريجيا مع كل حدث وكل شخصية نتعرف عليها في حياته وإن لم تنهِ تلك المعرفة على حالة الغموض العام المسيطرة على الحكاية.

تحرك السرد زمنيا في خطين دراميين، “ما يبدو” أنه شريط ذكرياته الواقعي، و”ما يبدو” أنه خط الحكاية أو المغامرة الغامضة. أقول ما يبدو لأن الكاتب تعمد ألا يمنحنا إجابات سهلة أو قاطعة حتى النهاية تاركا مساحة كبيرة من الخيال والتأويل للقارئ.. القرية تحولت إلى قالب رمزي اجتماعي لمجتمعنا عبر شخصيات ساكنيها “العمدة”، “والد المرحوم”، “شقيق المرحوم”، “طبيب القرية” و”مساعدة الطبيب”.. إلخ وصراعاتهم.. كما كانت أيضا قالبا رمزيا إنسانيا لمعاناة البطل الشخصية.

السخرية المُبَطَّنَة حاضرة بذكاء في الوصف والحوار” خصوصا في وصف أحوال القرية وانفصالها عن عالم المدينة”. تماما كما كان الحال في رواية تاهيتي لكنها هنا أكثر نضجا وصقلا. كعادة تلك النوعية من الدراما النفسية، أتت النهاية محملةً بمفاجآتها لكنها تماهت مع تلك المنطقة الرمادية الدافئة بين الخيال والواقع دون فرض وجهة نظر أو تأويل وحيد بعينه.

رواية بسيطة لكنها ليست سطحية، مثيرة لكنها لا تخلو من الرمزية، جادة لكنها تقطر سخرية.

مقالات ذات صلة
- Advertisment -

الأكثر شهرة

احدث التعليقات