كتب: شريف مصطفى كامل
داخل كل منا عدة شخصيات، يتفرع وجودها باختلاف الزمن والتجارب والرغبات، يستطيع البعض السيطرة على شخصياته، والبعض الآخر يعجز في عوالم بعيدة ينسى فيها مصيره وهدف وجوده.
هذا نص روائي يسرد من كان له حظ هذه التجربة، أحداث متشابكة على مدار سنوات، وأحداث مستقبلية يسعى بها الراوي إلى الجديد، لكن هل يصل إلى الغاية أم مجرد هروب من الواقع.
يبدأ النص بزيارة صاحبنا إلى صديقه الطبيب النفسي، يدور حوار بينهما نتعرف فيه عليهما، وتاريخ صاحبنا مع نكباته النفسية، ومع تطور الأحداث تتكون رؤى مختلفة، أحيانًا تكون متناقضة ومحيرة.
لغة النص عذبة ومناسبة للغاية، قدّمت الحكاية بشكل بسيط مقنع، وإيقاع الرواية تصاعدي يدفع القارئ إلى التوغّل في باقي الصفحات من خلال سرد شيّق وممتع.
الرواية بها روح “ريشة” ملفتة، شعرت أن الراوي ما هو إلا “ريشة” تحركها رياح القدر في أي مكان شاءت، مهما بلغ من حكمة وسُلطة فلا تزال مصائره هي من تدفعه، وكم منا يعيش “ريشة” دون أن يتصدى لرياح مصيره العاتية؟
أحببت شخصية “رانيا” شعرت أنها حية أمامي، وبادلني نفس حزن الراوي تجاهها، مع مرور الصفحات إلى منتصف الرواية حدث تدفق للشخصيات بشكل كبير، وشعرت أني تائه بينهم واحتجت بعض الوقت لربط العلاقات بينهم وبين عنصر المكان في قرية الصعيد.
في رأيي الروائي لعب على وتر حساس، فالرهان على عقلية الراوي صاحب الهلاوس والأحلام خطير للغاية، فربما يكون تفسير كل حدث وفقًا لدوافع وأسرار، لكن كذلك ربما يكون تفسيره أن البطل يعاني من هلاوس وما يحدث هذا غير حقيقي، فهي لعبة خطيرة اختارها الكاتب، قد تكون هربًا من تفاصيل، أو دعمًا للنص “الريشي” السائر على هوى أحلام المستقبل وندم الماضي.
مع زيادة جرعة التشويق طمعت في نهاية أقوى لكنها لا زالت جيدة وأضافت للنص، وحملت مزيدًا من التساؤلات تجاه الراوي وتجاه كل من حولنا.
أعتقد أقوى ما في هذا العمل هو عنصر البساطة، العمل بسيط، حقق غايته، وكان ممتعًا في تفاصيله حتى لو كنت تائهًا في بعضها، وأضاف رحلة أدبية شيّقة، ورحلة ذاتية مؤثرة.