تحدثنا في الحلقة السابقة؛ عما خطه ابن بطوطة في رحلته لمصر، حول “موكب رؤية هلال رمضان في مدينة أبيار”، وذلك خلال العام الهجري727، ولم يسعنا الكتابة حول (موكب رؤية الهلال في العصر الحديث)؛ ولذا دعونا نقتبس تفاصيل هذا الموكب الرائع من كتابات الرحالة الإنجليزي، “إدوارد وليم لين”، ففي كتابه الشائق والهام “عادات المصريين المحدثين وتقاليدهم.. مصر ما بين (1833-1835م”، رصد لنا لين موكب رؤية الهلال في القاهرة قرب منتصف القرن التاسع عشر، حيث زار “لين” القاهرة مرتين، مرة في عام 1825م، وأخرى في عام 1833م، ورغم أن المرتين في فترة حكم محمد علي باشا لمصر إلا أنه وجد تغيرا ملحوظا في مظاهر الاحتفالات برمضان وليلة رؤية الهلال.
في المرة الأولى كانت الاحتفالات أشبه بما كانت عليه في العصور الوسطى فيصف لنا احتفال الناس برؤية الهلال أو “موكب الرؤية” بهذه الكلمات:
“ينطلق المُحتسب وشيوخ بعض التجارات المختلفة: الخبّازون، والطحّانون، والجزّارون، وبائعو اللحم، والزّياتون والخضرجيون، ولفيف من أعضاء هذه التجارات، وفرق المزيكاتيين، والفقراء (المتصوفة)، ويرأسهم الجنود في هذه الليلة في موكب يبدأ من القلعة وينتهي عند محكمة القاضي، وهناك ينتظرون عودة أحد الذين ذهبوا لتحري الرؤية، أو شهادة مسلم آخر رأى القمر هلالا، ويحتشد الناس في الشوارع وهم يهتفون عند مرور الموكب: بركة، بركة.. بارك الله عليك يا رسول الله”.
أما الثانية فقد بدأت تدب في طباع الشعب المصري آليات الدولة الحديثة التي حاول محمد علي باشا تنظيمها على النمط الأوروبي. فيقول لين إن هذا الموكب قد استبدل طوائف الناس بفرق عسكرية، أو بعروض عسكرية بعدما أسس محمد علي باشا جيشا نظاميا.
رصد لنا إداورد لين في زيارته للقاهرة ما يسمي “المسحرون” أو المعروفون حاليا “بالمسحراتية”، فبينما كانت تعج شوارع وحارات القاهرة بالمارة، يمر على البيوت المسحرون في أول الليل؛ فينظمون لهم بعض أبيات المدح والثناء أمام كل منزل ليكافئهم الناس فيقول:
“ويدور المُسحِّرون كل ليلة في شهر رمضان فيطلقون المدائح أمام منزل كل مسلم قادر على مجازاتهم، ويعلنون في ساعة متأخرة فترة السحور… لكل منطقة صغيرة في القاهرة مُسحِّرها الخاص الذي يبدأ جولته بعد ساعتين تقريباً من المغيب. فيحمل في يده اليسرى (بازا) صغيراً، أو ما يُعرف بطبلة المُسحِّر وفي يده اليمنى عصاً صغيرة، ويرافقه في جولته صبي يحمل قنديلين في إطار من أعواد النخل”.
ويضيف لين قائلا:
(يتوقفون أمام منزل كل مسلم غني، ويضرب المُسحِّر بازه عند كل وقفة ثلاث مرات، ثم يُطلق المدائح النبوية منادياً بالصلاة على الرسول -صلى الله عليه وسلم- وبتوحيد الله فيقول: اصح يا غفلان.. وحِّد الرحمن).