الإثنين, ديسمبر 23, 2024
Dawen APP
الرئيسيةمقالاترمضان بعيون الرحالة والمستشرقين (3).. صوفيا لين ويوميات صائم من مصر

رمضان بعيون الرحالة والمستشرقين (3).. صوفيا لين ويوميات صائم من مصر

كتبنا سابقا عن مشاهدات “إدوارد وليم لين”، وأخذنا عنه بعض الصور التي قدمها بمظاهر احتفالات المصريين بشهر رمضان، وذلك خلال زيارته الأولى 1825م، والثانية 1833م، وهاتان الزيارتان أصدر عنهما كتابه الشهير (المصريون المحدثون)، ولكن مصر ظلت تسكن ذاكرته حتى قرر العودة إليها؛ لكن هذه المرة بصحبة زوجته نفسية، وأخته “صوفيا بول” وولديهما (ستانلي وريجينالد) وذلك في عام 1842م.

دوَّن إدوار لين بشكل عابر عن حياة النساء في عصر محمد علي، حيث لم تكن المعلومات المعروضة أمامه غير مصدرية أو لا يمكن الاعتماد عليها؛ لأنها صادرة من الرجال وأحاديثهم على المقاهي، وبالتالي كانت دقة المعلومات فيها يشوبها الكثير من المشكلات، ولذا حينما جاءت صوفيا بول معه لمصر؛ كانت من الأهمية بمكان أن طلب منها (لين) التدوين عن حياة النساء في بر مصر عامة، الحريم العالي بخاصة؛ ذلك العالم المغلف بالكثير من الغموض.

وربما جاءت ” صوفيا بول لين” من الأساس لتدوِّن عن (عالم الحريم العالي) فتكمل ما لم يستطع أخوها إنجازه، فكان كتابها الهام؛ الذي صدرت ترجمته عن “كتاب سطور” بترجمة ودراسة من د. عزة كرارة عام 1999، والذي عنونته “حريم محمد علي باشا”، ثم جاءت ترجمة ثانية كاملة صدرت حديثا عن الرواق للنشر تحت عنوان “سيدة إنجليزية في مصر… رسائل من القاهرة 1842-1844” من ترجمة؛ خميلة الجندي.

الكتاب عبارة عن رسائل من صوفيا بول إلى صديقة متخيلة، دوَّنت خلالها مشاهداتها الكاملة عن رحلتها منذ أن وصلت الإسكندرية حتى وصولها للقاهرة، وما يعنينا الآن ورسالتها عن شهر رمضان نفرد من رسالتها المؤرخة 18 أكتوبر؛ رمضان 1842.

“اليوم هو الثاني عشر من رمضان، أي شهر الصيام، إنني أشفق من كل قلبي على كل صائم، فالجو عاد ثانية شديد الحرارة، ومن المدهش حقا أن يحافظ المرء على هذا الفرض، ويحرم على نفسه من مطلع الفجر إلى غروب الشمس، ولو جرعة ماء، أعتقد أن كثيرين جدا يلتزمون فعلا بكل إخلاص بالصيام، وشوارع القاهرة في هذا الشهر تعطينا حقا صورة مسلية لتصرفات الأهالي المختلفة، بعضهم يجلس عاطلا ممسكا بعصا مزركشة أو مسبحة في يده، في حين نرى أولادا يصومون لأول مرة، بل بعض الرجال أيضا، يحاولون الترفيه عن أنفسهم وتسلية صيامهم بألعاب صبيانية، وما أكثر من يظهرون بشتى الطرق أن الصيام لا يساعد على تهذيب حدة طبعهم”.

ثم تتابع صوفيا في رسالتها عن مائدة الإفطار في رمضان فتقول؛
“يفطر المسلم الصائم عند مغرب الشمس، وعادة ما تبدأ هذه الوجبة ببعض المرطبات الخفيفة مثل الفطائر والزبيب، ونحو ذلك حيث أن كثيرا من الناس يشعرون بسبب الصوم الطويل، بضعف شديد يحول دون تناولهم وجبة كاملة في الحال، ولذلك نجد من (يشق ريقه) فقط بكوب من العصير أو بفنجان من القهوة. ويتبع ذلك وجبة كاملة تقوم مقام العشاء المعتاد، ويخلدون بعدها غالبا للنوم لفترة قصيرة”.

وعن المسحراتية تقول في قلب رسالتها:

” ومن الشائع أن يطوف مناد بعد المغرب بساعتين بالأحياء المختلفة، ويقرع طبلة صغيرة عند باب كل بيت ويحيي أهله بكلمات إطراء، كما أن أذان صلاة الفجر يكون أبكر من المعتاد بحوالي ساعة ونصف الساعة ليذكر الجميع بحلول وقت تناول الوجبة الثانية، والمنادي يطوف مرة ثانية بالأحياء المختلفة محدثا ضجيجا، ويواظب عليه حتى يوقظ أهل كل بيت طلب منه هذه الخدمة”.

وعن الآذان ومدفع الإفطار تقول:
“لا يستطيع أحد أن يسمع صيحات الفرح التي تعلو ويملأ صداها أرجاء المدينة حينما يطلق مدفع من القلعة وقت المغرب، معلنا نهاية الصيام لبضع ساعات، دون أن يغبط القوم على نهاية يوم من أيام رمضان، لا يوجد صوت يضاهي روعة النداء لصلاة العشاء من المآذن العديدة، وقد ذكرت لك إحساسنا حينما سمعناه لأول مرة بالإسكندرية، ولكن هنا في القاهرة، فإن وقعه أعمق بكثير، أحيانا، حينما تكون الريح مواتية يمكننا سماع ما يقرب من مائة صوت رخيم في وفاق تام وقور، إذ يقف المؤذن بين السماء والأرض ينادي البشر لعبادة رب الكون… آه! كم أتمنى كلما انطلقت هذه الأصوات مع نسيم الليل، أن يهمس كل مسيحي يسمعها بصلاة صامتة ترتفع إلى الملكوت الأعلى طالبة لهم الرحمة، فهم بأمس الحاجة إلى الشفقة، إذ إن نور الإنجيل في بلدهم، ولكن وا أسفاه! لقد حجب عنهم هذا النور، وعميت عيونهم بسبب التعصب”.

محمد غنيمة
محمد غنيمة
كاتب وباحث وموثق تاريخي، يعمل رئيسًا لوحدة الوثائق في مكتبة الإسكندرية، واشترك في إعداد المواد الوثائقية لمجموعة مهمة من الكتب الوثائقية، كما نُشرت له مجموعة كبيرة من المقالات والمشاركات العلمية في العديد من الصحف والمجلات المصرية والعربية. صدر له كتاب "جمال حمدان وعبقرية المكان" عام 2014، عن مكتبة الإسكندرية، وكتاب "عروش تتهاوى" عام 2020، و"ذاكرة النخبة" عام 2021، و"لم يصبه العرش" 2023، عن الرواق للنشر.
مقالات ذات صلة
- Advertisment -

الأكثر شهرة

احدث التعليقات