وقف قائد قوات العدو في منطقة (…..) وهو يشرف على إزالة حي كامل يحوي 156 منزلا، بحجة أن هذا الحي يمثل خطورة عليهم، لم تتوان تلك القوات عن قطع كل الطرق المؤدية إلى الحي؛ فقطعت التليفون والتلغراف، ثم بدأت قواتها المكونة من 6000 جندي من فرق الكوماندوز والمظلات ومعهم 500 دبابة بنسف البيوت، وكان الهدم بطريقة ممنهجة تقف أربع دبابات أمام المنزل، ثم يتم قذفه لتأتي الكاسحات فتجعله جزءا من الطريق في الحال، وصاحب المنزل في آسى يبكي من الجانب الآخر مقهوراً من الحزن على ما فقد أن ظل حياً.
هل أدركت سيدي القارئ ما الكلمة الناقصة؟ في ظل ما تمر به الأمة العربية من ظروف قاسية، وما يتعرض له فلسطين القلب من مجازر وحشية فإن ما يتبادر إلى ذهنك كلمة واحدة هي “غزة”. وقد تتعجب إنها ليست تلك الكلمة، بل أن الكلمة الناقصة هي “السويس”، فبعد إلغاء معاهدة 1936 في 8 أكتوبر 1951، كان الإنجليز يدركون أنهم لن يعودوا إلى مواقعهم وما كانوا يحصلون عليه من امتيازات إلا إذا أثاروا المصريين ودفعوهم دفعا نحو الصدام، فتعددت جرائمهم في منطقة القناة وزاد تحرشهم بالمصريين، فكان إحدى أهم تلك الجرائم معركة “كفر عبده”.
للقراءة| بعد الحرب على غزة.. تعرف على أبرز الأعمال الأدبية التي تناولت القضية الفلسطينية
ففي صباح يوم الثامن من ديسمبر عام 1951، وقف قائد القوات البريطانية في منطقة القناة “أرسكين”، هو يشرف على إزالة حي كامل من أحياء السويس يحوي 156 منزلا وألفى مصري، بحجة أن هذا الحي يقع في الطريق الذي يربط بين وأبور المياه “محطة الفلترشين”، وبين معسكراتها في طريق الإسماعيلية.
إن التاريخ يعيد نفسه فيحمل ذات الخطر ولكن في شكل مختلف وهذا هو الهدف، لقد أشار القرآن الكريم إلى الهدف من القصص بصفة عامة بذكره: “أفلا تذكرون”، “فلولا تذكرون”، “قليلا ما تذكرون”، “لعلكم تذكرون”.
إن القرآن الكريم أفضل قصص وأبلغ حديثاً وأفصح دلالة، وأبلغ فهماً، وأكثر إدراكاً، أشار إلى دائرية الأيام والسنين، ما الفرق بين هدم كفر عبده بالسويس وهدم غزة الآن؟، ما الفرق بين حرق كنيسة السويس في الثامن من يناير عام 1951 قبيل حريق القاهرة في 26 يناير 1952، وحريق كنيسة الإسكندرية في الأول من يناير عام 2011، إن العدو يستخدم ذات الأسلوب ولكن من ينتبه؟ قارئ التاريخ هو من ينتبه قارئ الذكر والقصص هو من ينتبه، هو من أشار إليه القرآن “أفلا تذكرون”.
عندما دخل اليهود فلسطين وسيطروا عليها سجد بعض العارفين شكرا لله، فتعجب البعض من فعلهم، فذكروا قول الله تعالى في سورة الإسراء الآية 104 (“وقلنا من بعده لبني إسرائيل اسكنوا الأرض فإذا جاء وعد الآخرة جئنا بكم لفيفا”). وقالوا لن يكون لهم سكن بل كانت الأرض سكناً لهم، لن يكون لهم موطن فالسماء برحابها سقفاً لهم، فإذا اقتربت الساعة اجتمعوا لتكون نهايتهم، لن تباد غزة ولن تنتقص ولن ينقص منها شبراً واحداً. فهل أدركت أيها القارئ ما هي الكلمة الناقصة، أنها ليست غزة.