بشري عبد المؤمن نقلا عن المصري لايت
«تعتبر نقابة النشالين من أوائل الجمعيات السرية في مصر»، عبارة اختتمت بها الحلقة الأولى من مسلسل «النص»، بطولة الفنان أحمد أمين، والذي يلعب دور «عبد العزيز النص»، شيخ النشالين، ويقوم بتكوين عصابة لسرقة المواطنين خلال فترة الأربعينيات، إبان الاحتلال الإنجليزي لمصر.
وذكر صناع مسلسل «النص» في الإشارة -بعد نهاية الحلقة- أن «المسلسل من وحي التاريخ ولكن، تعتبر نقابة النشالين من أوائل الجمعيات السرية في مصر، إذ كانت مجهولة المقر والنقيب والأعضاء، خوفًا من وصول البوليس لهم، وصل عدد أعضائها لخمسة آلاف عضو، من بينهم ألف سيدة».
يؤكد الطبيب الإنجليزي سيسيل ألبورت، في كتابه «ساعة عدل واحدة» الصادر في عام 1946، وجود نقابة النشالين في مصر في عهد الملكية، إذ يقول: «عندما عاد المرحوم سعد زغلول باشا من نفيه أرسل نشالو القاهرة بيانًا للصحف مفاده أنهم لن يمارسوا مهنتهم في يوم عودة زعيمهم الوفدي عرفانًا وتقديرًا لما أداه لبلاده من خدمات جليلة».
ويضيف «سيسيل» أنه «لسنوات دُرب صبية الشوارع هؤلاء ليكونوا نشالين وهناك كشف أعلن عنه البوليس، فقد عثر على مدرسة نظامية لتدريس النشل، في حجرة تدريس النشل وجدت سبورة رُسم عليها بعض التخطيطات التي توضح كيفية نشل الجيوب بطريقة علمية. مشابهين في ذلك ما كان يُرسم على السبورة المنتشرة في عنابر مستشفيات جامعة القاهرة موضحًا فيها كيف يستمع طلبة الطب إلى النبضات المختلفة للقلب. وفى عام 1940 قبض على 240 نشالًا وأرسلوهم لأماكن عزل مختلفة ليقضوا فيها الثلاثة أيام الخاصة بعيد الأضحى، معظم النشالين امتهنوا عملهم هذا عندما ألقى الأزواج بأمهاتهم في عرض الشارع لتحل محلهن زوجات أصغر».
صحيح أن الكثيرين قد لا يعرفون أن للنشالين نقابة؛ وإن لم تعترف بها وزارة الشؤون الاجتماعية، لكن «المصري لايت» يعود لكتاب الباحث أيمن عثمان «مذكرات نشال»، المأخوذ عنه فكرة المسلسل، والذي شارك أيضا في كتابة السيناريو، إذ استطاع أحد مندوبي مجلة «الاثنين والدنيا»، الصادرة بتاريخ 5 يناير 1948، أن يظفر من نقيب النشالين بحديث طريف.
حوار مع نقيب النشالين، مجلة «الاثنين والدنيا»، الصادرة بتاريخ 5 يناير 1948
وبدأ نقيب النشالين الحديث بأنه وإن كان نشالا من ظهر نشال، وله أكثر من أربعين سابقة، ولا تزال صوره معلقة في أكثر أقسام البوليس؛ إلا أنه أحال نفسه إلى المعاش منذ سنتين، حين اختاره الزملاء مستشارا فنيا «بالعمولة»، ثم رشحوه لرياسة النقابة على أثر القبض على النقيب السابق، فتم انتخابه بالإجماع، وتجدد ثلاث مرات، ثم دار بينهما الحديث التالي:
ما هو مدى نفوذ النقابة وسلطتها على أعضائها؟
أول واجباتها أن تعين لكل عضو فيها منطقة خاصة به، وأن تفصل فيما بين الأعضاء من منازعات، وتطبق العقوبات المختلفة على المخالفين، ولكن الأعضاء جميعا والحمد لله يضربون المثل الأعلى في النزول على قرارات النقابة. وقد تأصلت فيهم هذه العادة من قديم، ولعلك تذكر أن النشالين كلهم في مصر قد أضربوا عن العمل يوم عودة سعد باشا رحمه الله من منفاه، كما أنهم يضربون عن النشل حتى الآن في جميع المناسبات الوطنية، كأعياد جلالة الملك (الميلاد والجلوس على العرش) وعيد الجهاد، وافتتاح البرلمان وجنازات الزعماء؛ لأنهم طبعا ناس لهم ضميرا!أ
هل صحيح أن الحكومة كانت عرضت عليك 12 جنيها شهريًا نظير أن تكف عن النشل، فرفضت؟
اتناشر جنيه يعملوا إيه ولا إيه.. دا الواحد يقزقز بيهم لب.
ما هي أعظم مميزات النشال الماهر، وهل هي طبيعية فيه أم يتعلمها؟
خفة اليد، والفهلوة، والحداقة هي أعظم مميزات النشال. وبعض النشالين يتقنونها بالوراثة ولكن أكثرهم يتلقون أصولها في مدارس خاصة وعلى أيدي نشالين محنكين قدماء في الكار، ولا يمكن أن يسمح للنشال بمزاولة العمل إلا بعد الامتحان.
كيف يكون الامتحان؟
يكون أولا في الاصطلاحات المتفق عليها بين أولاد المهنة ليسهل عليهم التفاهم دون أن يفطن إليهم أحد من الزبائن أو البوليس. ثم يكون بعد ذلك امتحان عملي بأن يطلب من التلميذ أن ينشل أسورة أو ساعة أو حافظة نقود، من تمثال معد لذلك في المدرسة، وفيه جرس يرن بمجرد الاحتكاك به؛ فالتلميذ الناجح هو الذي يتمكن من نشل هذه الأشياء من غير أن يجعل الجرس يرن بالاحتكاك بجسم التمثال.
وما هي أحوال الطائفة الآن؟
نحمد ونشكر فضله.. الناس الأيام دي مريشة خالص.. و«العنكور» اللي بيكون «مأشفر» خالص تكون «محبوبته» «معمرة» وفي إيده «بلبلة» وفي جيبه «جمجمة».
بعض اصطلاحات النشالين
يقال إنك تساعد البوليس في ضبط بعض النشالين أحيانًا.
أحسن رد على السؤال ده حكاية حصلت لي مع سعادة عبدالله بيه الأنصاري، وهي أن البوليس كان من عادته أن يقبض على النشالين المعروفين قبل مواسم الموالد، وحدث أن قبض على لهذا السبب، فطلبت مقابلة الأنصاري بك وطلبت منه أن يطلق سراحي على أن أتعهد بعدم وقوع أي حوادث نشل في دائرة القسم، فأفرج عني فعلا؛ ولكن بعد يومين قبض على لأن ما تعهدت به لم يتم؛ فقد نشلت في اليوم السابق حافظة نقود فيها 40 جنيها من رجل طيب كان يقف على محطة ترام، وأكدت له أنني لا أعرف عن هذه المسألة أي شيء، وسألته أن يتركني لأعمل تحرياتي، فقبل ورجعت إليه بعد نصف ساعة، وأخبرته بأني عرفت الفاعل، وأنه الآن في القطار الذاهب إلى طنطا، وأنا مستعد لإحضار المحفظة بما فيها منه بشرط عدم القبض عليه أو على زميله فوعدني الأنصاري بك بذلك، وبعد يومين رجعت إليه بالمحفظة وبها 30 جنيها وقلت له: سامحهم يا سعادة البيه في الباقي، فسامحهم وانتهى الإشكال، وكل مساعداتي للبوليس من هذا القبيل.
أليس عندك ذكريات طريفة تصلح للنشر؟
حضرتك فاكر نفسك فهلوي، وعاوز تاخدني في دوكة وتقررني ولا إيه؟ إذا كنت عايز تكتب عنا ولا بد، لازم تنصفنا، وتقول الحقيقية، وهي إن النشال قبل كل شيء، فيه عنده مفهومية، ولما يلاقي «العنكور المأشفر» الغلبان زي حضرتك، لازم يشفق عليه ويرد له «محبوبته» باللي فيها، أما «العنكور اليماني» المليان فمافيش مانع من «هفه».
ويختتم محرر مجلة «الاثنين والدنيا»، حواره بقول: «وهنا أشعرني حضرة النقيب بأن الدقائق المحددة لي من وقته الثمين قد انتهت؛ فاستأذنت في الانصراف، وما إن خطوت خمس خطوات حتى دوى من خلفي ضحك شديد، فالتفت لأرى محبوبتي بين يدي النقيب وهو يرسل ضحكات عالية، فعدت إليه ثانية فأعطاني محبوبتي قائلا:
يا نهار زي بعضه.. مالك يا أستاذ مأشفر كده ليه؟ي