الجمعة, نوفمبر 22, 2024
Dawen APP
الرئيسيةحواراتحوار مع الكاتب الكبير واسيني الأعرج

حوار مع الكاتب الكبير واسيني الأعرج

نقلا عن جريدة إعلام دوت كوم ولقاء للصحفي إسلام وهبان

حكاء بارع، لا تملك أمام سرده سوى أن تخلع نعليك على عتبات نصوصه، عاشق للتجريب لا يشغله القالب الأدبي بقدر ما تشغله الحكاية واستخدام اللغة في إيصال فكرته بقوة، كُتب عليه الترحال ليس فقط بين المدن والبلدان، بل عبر الأزمنة ليغوص في أعماق النفس البشرية.

الأديب الجزائري الكبير واسيني الأعرج، أحد أبرز الأصوات الأدبية العربية، وصاحب مسيرة أدبية ممتدة لأكثر من 40 عاما، أثرى خلالها المكتبة العربية بعدد كبير من الأعمال الأدبية المتنوعة، وحصل بها على العديد من الجوائز الأدبية المرموقة مثل جائزة الشيخ زايد للكتاب وجائزة كتارا للرواية العربية.

وخلال زيارته لمعرض القاهرة الدولي للكتاب في دورته 54، أجرى إعلام دوت كوم، معه هذا الحوار، والذي تحدث فيه عن مسيرته الأدبية وكواليس نشر ثلاث روايات وهي “نوار اللوز” و”ضمير الغائب” و”أحلام مريم الوديعة”، والتي صدرت عن دار دوّن للنشر والتوزيع.

– كيف ترى نشر 3 روايات مع دار نشر مصرية موجهة تحديدا للشباب؟ ولماذا تم اختيار هذه الروايات تحديدا؟

الشباب هم من يحملون المستقبل، ونحن مهما حققنا من نجاحات وخطوات مصيرنا الحتمي هو الفناء، وأنا دائما أرى أن المبدع لابد أن يكون جسرا تعبر من خلاله الأجيال الجديدة، وهو ما يجعل سيرته خالدة. وحينما التقى بي الناشر أحمد مهنى خلال معرض الكتاب بالجزائر، وقدم لي نفسه وحكى لي عن دار دوّن وطبيعتها وعلاقتها بالشباب، وعرض علي نشر أعمالي، تحمست للغاية، لأنني متعاطف بشدة مع الشباب، وأرى من خلال تفاعلي عبر منصات التواصل الاجتماعي، مدى حاجة هذه الأجيال للأدب ومدى اهتمامهم بالقراءة والمعرفة.

وقد تم اختيار ثلاث روايات من أعمالي لتصدر عن دار دوّن في مصر، وهي “أحلام مريم الوديعة” و”نوار اللوز” و”ضمير الغائب”، والسبب في اختيار هذه الروايات الثلاثة هو أنها تناقش قضايا لازالت حية وتساؤلات مستمرة ومؤرقة للكثيرين، مثل سؤال الهوية وسؤال المرأة وأزماتها في المجتمعات الشرقية، وسؤال التحولات المجتمعية في العالم العربي، وغيرها من التساؤلات التي لازالت ملحة على الأجيال الجديدة.

– كيف ترى مفهوم المكان في رواياتك؟ ولما تحولت من الكتابة عن القرية في رواياتك الأولى للكتابة عن المدينة والحضر؟

المكان بالنسبة لي ديناميكية متحركة، أنا لا أتحدث عن مكان ثابت في رواياتي، بل ترى فيها تطور المكان وتحليل وتفسير لكثير من التحولات، فمثلا رواية “نوار اللوز” تدور داخل القرية لكنها تبرز كيف تعمل جماعات التهريب، وإذا نظرت حاليا إلى بارونات التهريب الآن عبر الحدود الجزائرية المغربية ستعرف أصل حكاياتهم وكيف أدى عدم وجود أنظمة قوية إلى تغول هؤلاء المهربون، لذا فالمكان ليس مجرد حيزا جغرافيا في رواياتي بل أحد العناصر الهامة والحيوية التي أعرض من خلالها الأفكار.

– روايات واسيني الأعرج تحظى برواج واحتفاء كبير عربيا وفي مصر بشكل لافت، كيف ترى هذا الاهتمام؟ ولماذا لا يحظى الأدب المغاربي بانتشار كبير في المشرق العربي على عكس أعمالك؟

هناك عوامل عديدة أثرت على علاقتي بالعالم العربي، فأنا عشت لسنوات بدمشق وتعرفت على المشرق العربي عن قرب حتى أنني أحكي كثيرا باللهجة الشامية، كما أنني عاشق للغة العربية ولي علاقة قوية بها منذ صغري لحرص جدتي على تعلمها للتعرف على تاريخ الأجداد بالأندلس، ودائما أقول أن جدتي هي معلمتي الأولى رغم أنها كانت أمية. كما أنني رغم إجادتي للفرنسية إلا أنني أفضل دائما أن تخرج رواياتي بالعربية، التي اخترتها طوعا كي تكون لغتي الأثيرة، كما أن ذهابي للعربية جعلني أدافع عنها بقوة ليس في الوطن العربي فقط بل في فرنسا وغيرها من البلدان الغربية، كما أنني أرى أنه من الضروري أن تكون متواضعا حتى يرفعك الناس، لا أن تتحدث هنا وهناك عن إسهاماتك وأن تمن على الآخرين بما قدمته للأدب العربي مثلما نرى من البعض..

– لماذا ركزت رواياتك على صورة الجدة ولم تأخذ الأم نفس النصيب من الاهتمام في كتاباتك؟

هذا حقيقي.. أعتقد أن هذا يعود إلى أن وظيفة الأم سرقتها الجدة، بعد أن استشهد والدي عام 1959 واضطرت أمي للنزول للعمل في الفلاحة، والغياب طوال اليوم عني لتوفر لنا احتياجاتنا الأساسية، مما جعل صورة الجدة هي الأكثر حضورا في كثير من تفاصيل حياتي، إلا أنني مؤخرا بدأت أشعر أنني مقصر في حق الأم، كلما تذكرت كل هذه القسوة التي كانت تعاني منها بعد أن أخذت دور الأب وتحملت مسئولية أسرة بمفردها، لذا كتبت بالفعل منذ سنوات رواية بعنوان “القبر المفتوح” التي تحكي عن امرأة مات زوجها وترك لها مسئولية أسرة كبيرة وما لاقته من صعاب وتحديات، وتم الاتفاق مع إحدى شركات الإنتاج على تحويلها لعمل درامي، وكنت أحاول أن تراه بشدة، لكن الموت كان سباقا، ورحلت قبل عرضه، وحزنت بشدة لأنني لم أتمكن من أن أقدم لها ولو شيئا يسيرا عما تستحقه.

– أعلنت سابقا أنك بصدد تقديم سلسلة من الروايات تتناول صورة المرأة العربية المضطهدة، نشرت بالفعل رواية “مي.. ليالي إيزيس كوبيا”، لماذا اخترت مي زيادة، وما هي تطورات المسلسل المأخوذ عنها؟

مي زيادة نموذج عربي متميز، امرأة ظلمت أقصى درجات الظلم، كما أن الذكورية المريضة التي تعاني منها المجتمعات الشرقية، كلها عوامل دفعتني للكتابة عنها، لأنني رأيت أن أقصى درجات التعذيب هي أن تسرق من إنسان عقله، وأن تضعه في مصحة نفسية وتجبره على أن يعيش مجنونا وهو بكامل قواه العقلية! كما أنها عانت من مخاطر الحب الأول بعدما تعلقت بشدة بابن عمها جوزيف، الذي استغلها وسبب لها معاناة كبرى. ولقد عذبتني كثيرا مي زيادة بما عرفته عنها وعن رقتها التي تفتت أمام قسوة العالم، خاصة بعد زيارتي لعائلتها وللمدن التي عاشت فيها، وحاولت أن أنصف مي مثلما قالت “أتمنى أن يأتي من بعدي من ينصفني”.

وبالفعل تعاقدت على تحويل الرواية لعمل درامي لبناني مصري، وكان من المقرر أن تقوم الفنانة المصرية منة شلبي ببطولته، ولكن لا أعلم إلى أين وصل المسلسل بعد الظروف التي تعرضت لها منة شلبي، والتي أراها ممثلة راىىئعة وصاحبة موهبة متميزة.

– في رواياتك كانت الجزائر مفتوحة على العالم، هل هذا كان سببا في ترجمة كثير من أعمالك للغات أخرى عن العربية؟

أرى أن انتشار أي عمل أدبي وترجمته للغات أخرى، يتطلب أن يتوفر في هذا النص القدر الكافي من القيم الإنسانية الجامعة، هذه القيم ممكن أن تكون في القرية أو في المدينة أو تخاطب النفس البشرية في أي مكان، فالإنسانية لا تحتاج إلى عمل من 500 صفحة بقدر ما تحتاج إلى قوة داخلية في النص قادرة على إيصال هذه الأفكار والمشاعر والقيم.

– قلت في إحدى رواياتك “الكتابة رهان خاسر”، هل لازلت ترى أن من يراهن على الكتابة خاسر؟

الأمر ليس كذلك، فأنا أرى أن من يراهن على أن الكتابة ستجلب له الشهرة والمال، وينتظر بعد أن يكتب كل رواية الأضواء والجوائز وأن تترجم أعماله إلى لغات عدة، بالطبع هو خاسر، فالأدب ليس هكذا فالكتابة تصير رهاناً عندما تجعلها أسلوبا حياتي، فالأديب يجب أن يكتب كي يستمتع أولاً بالشخوص التي يخلقها وبالأفكار والتساؤلات التي يطرحها والعوالم التي يعيش بداخلها، هنا تجد جمال الكتابة التي تنقلك إلى نفوس ووجدان الآخرين، وللأسف لا ينتبه الكثيرون إلى هذه المتعة ويركزون على المتع المادية فقط.

فأنا أقول دائماً أن قضية الجوائز هي حادث عرضي فالأديب يسير في طريقه يخلق عوالمه ويستمتع بما يكتبه، وإذا جاءت الجائزة فخير وبركة وهي بالطبع نوع من الاعتراف وكذلك التقدير المادي، لكن الكتابة هي تاريخك وإسهامك الفعلي والأثر الباقي منك.  

إسلام وهبان
إسلام وهبان
صحفي متخصص بالشأن الثقافي، من مواليد 1987، عمل في العديد من الصحف والمواقع الصحفية وشارك في إعداد عدد من البرامج، وهو مؤسس جروب مكتبة وهبان، وعمل مديرا لنادي القراء المحترفين منذ 2019 حتى 2021.
مقالات ذات صلة
- Advertisment -

الأكثر شهرة

احدث التعليقات